فصل: حيض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


حيض

التّعريف

1 - الحيض لغةً مصدر حاض، يقال حاض السّيل إذا فاض، وحاضت السّمرة إذا سال صمغها، وحاضت المرأة‏:‏ سال دمها‏.‏

والمرأة حيضة، والجمع حيض، والقياس حيضات‏.‏ والحياض‏:‏ دم الحيضة‏.‏

والحيضة بالكسر‏:‏ الاسم، وخرقة الحيض، هي الخرقة الّتي تستثفر بها المرأة‏.‏

وكذلك المحيضة، والجمع المحايض‏.‏ وفي حديث بئر بضاعة‏:‏ «تلقى فيها المحايض»‏.‏ والمرأة حائض، لأنّه وصف خاصّ‏.‏ وجاء حائضة أيضاً بناءً له على حاضت، وجمع الحائض حيّض وحوائض، وجمع الحائضة حائضات‏.‏

وتحيّضت المرأة قعدت عن الصّلاة أيّام حيضها‏.‏ وللحيض في الاصطلاح تعريفات كثيرة، وهي متقاربة في الغالب‏.‏ وفيما يلي المشهور منها في كلّ مذهب‏.‏

فقد عرّفه صاحب الكنز من الحنفيّة بقوله‏:‏ هو دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن داء وصغر‏.‏

وقال ابن عرفة من المالكيّة‏:‏ الحيض دم يلقيه رحم معتاد حملها دون ولادة‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ دم جبلّة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصّحّة من غير سبب في أوقات معلومة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ دم طبيعة يخرج مع الصّحّة من غير سبب ولادة من قعر الرّحم يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة‏.‏ وللحيض أسماء منها‏:‏ الطّمث، والعراك، والنّفاس‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الطّهر‏:‏

2 - الطّهر لغةً‏:‏ النّقاء من الدّنس والنّجس فهو نقيض النّجاسة ونقيض الحيض والجمع أطهار‏.‏ وطهرت المرأة، وهي طاهر‏:‏ انقطع عنها الدّم ورأت الطّهر، فإذا اغتسلت قيل‏:‏ تطهّرت واطّهرت‏.‏ والمرأة طاهر من الحيض، وطاهرة من النّجاسة ومن العيوب‏.‏

والطّهر شرعاً خلاف الحيض‏.‏ قال البركويّ‏:‏ الطّهر المطلق ما لا يكون حيضاً ولا نفاساً‏.‏ فالطّهر في باب الحيض أخصّ من الطّهر في اللّغة‏.‏

ب - القرء‏:‏

3 - القرء والقرء‏:‏ الحيض، والطّهر، فهو من الأضداد‏.‏ والجمع أقراء وقروء وأقرؤ وهو في الأصل اسم للوقت‏.‏ قال الشّافعيّ‏:‏ القرء اسم للوقت‏.‏ فلمّا كان الحيض يجيء لوقت، والطّهر يجيء لوقت، جاز أن يكون الأقراء حيضاً وأطهاراً‏.‏

والقرء عند أهل الحجاز الطّهر‏.‏ وعند أهل العراق الحيض‏.‏

ج - الاستحاضة‏:‏

4 - الاستحاضة استفعال من الحيض، وهي لغةً‏:‏ أن يستمرّ بالمرأة خروج الدّم بعد أيّام حيضها المعتاد، يقال‏:‏ استحيضت المرأة أي استمرّ بها الدّم بعد أيّامها، فهي مستحاضة‏.‏ وشرعاً‏:‏ سيلان الدّم في غير أوقاته المعتادة من مرض، وفساد من عرق يسمّى ‏"‏ العاذل‏.‏ قال البركويّ في رسالة الحيض‏:‏ الاستحاضة‏:‏ دم ولو حكماً - ليدخل الألوان - خارج من فرج داخل لا عن رحم، قال ابن عابدين‏:‏ وعلامته أن لا رائحة له، ودم الحيض منتن الرّائحة‏.‏ ويسمّون دم الاستحاضة دماً فاسداً، ودم الحيض دماً صحيحاً‏.‏

د - النّفاس‏:‏

5 - النّفاس لغةً‏:‏ ولادة المرأة إذا وضعت، فهي نفساء، ونفست المرأة، ونفست بالكسر، نفاساً ونفاسةً ونفاساً ولدت فهي نفساء ونفساء ونفساء‏.‏

قال ثعلب‏:‏ النّفساء الوالدة والحامل والحائض‏.‏ يقال‏:‏ نفست المرأة تنفس، بالفتح‏:‏ إذا حاضت‏.‏ ومنه حديث «أمّ سلمة قالت‏:‏ بينا أنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت، فانسللت، فأخذت ثياب حيضتي، قال‏:‏ أنفست‏؟‏ أراد‏:‏ أحضت‏؟‏» ونقل عن الأصمعيّ نفست بالبناء للمفعول أيضاً‏.‏ قال صاحب المصباح‏:‏ وليس بمشهور في الكتب في الحيض، ولا يقال في الحيض، نفست بالبناء للمفعول‏.‏

والنّفاس شرعاً‏:‏ هو الدّم الخارج عقب الولد‏.‏ وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ هو الدّم الخارج بسبب الولادة‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ النّفاس، عند الفقهاء الدّم الخارج بعد الولد‏.‏

وأمّا أهل اللّغة فقالوا‏:‏ النّفاس الولادة‏.‏ فالمعنى الشّرعيّ مغاير للمعنى اللّغويّ‏.‏ كما أنّ النّفاس بمعنى الحيض هو تعريف لغويّ لا شرعيّ‏.‏ فالحيض والنّفاس مختلفان في المفهوم‏.‏

الحكم التّكليفيّ لتعلّم أحكام الحيض

5 م - يجب على المرأة تعلّم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض‏.‏ وعلى زوجها أو وليّها أن يعلّمها ما تحتاج إليه منها إن علم، وإلاّ أذن لها بالخروج لسؤال العلماء، ويحرم عليه منعها إلاّ أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك‏.‏ ولها أن تخرج بغير إذنه إن لم يأذن لها‏.‏ وهو من علم الحال المتّفق على فرضيّة تعلّمه‏.‏

قال ابن نجيم‏:‏ ومعرفة مسائله من أعظم المهمّات لما يترتّب عليها ممّا لا يحصى من الأحكام، كالطّهارة، والصّلاة، وقراءة القرآن، والصّوم والاعتكاف، والحجّ، والبلوغ، والوطء، والطّلاق والعدّة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام‏.‏ وكان من أعظم الواجبات، لأنّ عظم منزلة العلم بالشّيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشدّ من ضرر الجهل بغيرها فيجب الاعتناء بمعرفتها‏.‏

أثر الحيض على الأهليّة

6 - صرّح الأصوليّون بأنّ الحيض لا يعدم أهليّة الوجوب، ولا أهليّة الأداء، لعدم إخلاله بالذّمّة، ولا بالعقل، والتّمييز، وقدرة البدن‏.‏ فالمرأة الحائض كاملة الأهليّة، وإن كان الشّارع قد رتّب على الحيض بعض الأحكام الخاصّة الّتي تتناسب وحالة المرأة

ركن الحيض

7 - صرّح فقهاء الحنفيّة بأنّ للحيض ركناً، وهو بروز الدّم من الرّحم، أي ظهور الدّم بأن يخرج من الفرج الدّاخل إلى الفرج الخارج، فلو نزل إلى الفرج الدّاخل فليس بحيض وبه يفتى‏.‏ وعن محمّد يكفي الإحساس به‏.‏ فلو أحسّت به في رمضان قبيل الغروب، ثمّ خرج بعده تقضي صوم اليوم عنده، لا عند أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏ وكذا إذا حاذى الدّم حرف الفرج الدّاخل ولم ينفصل عنه ثبت به الحيض‏.‏ أمّا إذا أحسّت بنزوله، ولم يظهر إلى حرف المخرج فليس له حكم الحيض حتّى لو منعت ظهوره بالشّدّ والاحتشاء‏.‏

وما صرّح به الحنفيّة لا يأباه فقهاء المذاهب الأخرى حيث إنّهم يعرّفون الحيض بأنّه‏:‏ دم يخرج‏.‏‏.‏‏.‏ لكن نصّ الحنابلة على أنّه يثبت بانتقال الحيض ما يثبت بخروجه‏.‏

شروط الحيض

8 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ليس كلّ دم يخرج من المرأة يكون حيضاً، بل لا بدّ من شروط تتحقّق فيه حتّى يكون الدّم الخارج حيضاً، وتترتّب عليه أحكام الحائض، وهذه الشّروط هي‏:‏

أ - أن يكون من رحم امرأة لا داء بها‏.‏ فالخارج من الدّبر ليس بحيض، وكذا الخارج من رحم البالغة بسبب داء يقتضي خروج دم بسببه‏.‏ وقد زاد الحنفيّة والحنابلة على هذا الشّرط كلمة ‏"‏ ولا حبل ‏"‏ حيث إنّ الحامل عندهم لا تحيض‏.‏

ب - ألا يكون بسبب الولادة، فالخارج بسبب الولادة دم نفاس لا حيض‏.‏

ج - أن يتقدّمه نصاب الطّهر ولو حكماً‏.‏ ونصاب الطّهر مختلف فيه فهو خمسة عشر يوماً عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، وثلاثة عشر يوماً عند الحنابلة، وهو أقلّ مدّة فاصلة بين حيضتين أي يجب أن تكون المرأة قبله طاهرةً خمسة عشر يوماً فأكثر عند الجمهور، وثلاثة عشر يوماً عند الحنابلة حتّى يعتبر الدّم بعده حيضاً، ولو كان هذا الطّهر حكميّاً، كما إذا كانت المرأة بين الحيضتين مشغولةً بدم الاستحاضة فإنّها طاهرة حكماً‏.‏

د - ألاّ ينقص الدّم عن أقلّ الحيض، حيث إنّ للحيض مدّةً لا ينقص عنها، فإذا نقص علمنا أنّه ليس بدم حيض‏.‏ هذا على مذهب الجمهور، وعند المالكيّة لا حدّ لأقلّه بالزّمان، وأقلّه دفعة بالمقدار وسيأتي تفصيل ذلك‏.‏

هـ - أن يكون في أوانه، وهو تسع سنين قمريّة، فمتى رأت دماً قبل بلوغ تلك السّنّ لم يكن حيضاً، وإذا رأت دما بعد سنّ الإياس لم يكن حيضاً أيضاً‏.‏

ألوان دم الحيض

9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض، لأنّه الأصل فيما تراه المرأة في زمن الإمكان، ولأنّ عائشة رضي الله عنها كان النّساء يبعثن إليها بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصّفرة والكدرة‏:‏ فتقول لهنّ‏:‏ «لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء»‏.‏

تريد بذلك الطّهر من الحيض‏.‏

والصّفرة والكدرة‏:‏ هما شيء كالصّديد‏.‏ قال الرّمليّ‏:‏ وهما ليس من ألوان الدّم، وإنّما هما كالصّديد‏.‏ وقد صرّح ابن حجر الهيتميّ بأنّهما ماءان لا دمان‏.‏

وعند الشّافعيّة وجه أنّ الصّفرة والكدرة ليستا بحيض، لأنّهما ليستا على لون، ولقول أمّ عطيّة «كنّا لا نعدّ الصّفرة والكدرة شيئاً» وهذا قول ابن الماجشون أيضاً‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ وجعله المازريّ والباجيّ هو المذهب‏.‏

واختلف الفقهاء في الصّفرة والكدرة في غير أيّام الحيض‏.‏

فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّهما ليسا بحيض في غير أيّام الحيض، لقول أمّ عطيّة كنّا لا نعدّ الصّفرة والكدرة بعد الطّهر شيئًا‏.‏ وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّهما حيض‏.‏

إذا رأتهما المعتادة بعد عادتها، فإنّها تجلس أيّامهما عند الشّافعيّة‏.‏

وتستظهر بثلاثة أيّام عند المالكيّة‏.‏ وقد صرّح الحنفيّة بأنّ ألوان دم الحيضة ستّة، وهي السّواد والحمرة، والصّفرة، والخضرة، والكدرة، والتّربيّة قالوا‏:‏ والكدرة ما هو كالماء الكدر، التّربيّة نوع من الكدرة على لون التّراب، والصّفرة كصفره القزّ، والتّبن، والسّدر على الاختلاف، ثمّ إنّ المعتبر حال الرّؤية لا حالة التّغيّر، كما لو رأت بياضاً فاصفرّ باليبس، أو رأت حمرةً أو صفرةً فابيضّت باليبس، وأنكر أبو يوسف الكدرة في أوّل الحيض دون آخره، ومنهم من أنكر الخضرة‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والصّحيح أنّها حيض من ذوات الأقراء دون الآيسة‏.‏ وزاد المالكيّة على الصّفرة والكدرة التّربيّة - وهو الماء المتغيّر دون الصّفرة - والتّربيّة عند المالكيّة تساوي التّربيّة عند الحنفيّة، حيث إنّهم وصفوا التّربيّة بأنّها دم فيه غبرة تشبه لون التّراب‏.‏

مدّة الحيض

السّنّ الّتي تحيض فيها المرأة

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أقلّ سنّ تحيض له المرأة تسع سنين قمريّة، لأنّه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيض قبلها، ولأنّ ما ورد في الشّرع ولا ضابط له شرعيًّا ولا لغويًّا يتبع فيه الوجود، قال الشّافعيّ‏:‏ أعجل من سمعت من النّساء تحيض نساء تهامة، يحضن لتسع سنين - هكذا سمعت - ورأيت جدّةً لها إحدى وعشرون سنةً‏.‏ ولا فرق في ذلك بين البلاد الحارّة والبلاد الباردة‏.‏

ثمّ إنّ الفقهاء قد اختلفوا في أنّه هل العبرة بأوّل التّاسعة، أو وسطها، أو آخرها‏.‏

فذهب الشّافعيّة إلى أنّ المعتبر في التّسع التّقريب لا التّحديد، فيغتفر قبل تمامها بما لا يسع حيضاً وطهراً دون ما يسعهما‏.‏ فيكون الدّم المرئيّ فيه حيضاً‏.‏ بخلاف المرئيّ في زمن يسعهما‏.‏ أي إن رأت الدّم قبل تمام التّسع بأقلّ من ستّة عشر يوماً بلياليها فهو حيض، وإن رأته قبل تمام التّسع بستّة عشر يومًا بلياليها أو أكثر فهو ليس بحيض‏.‏

وعند الشّافعيّة قول بدخول التّاسعة، وآخر بمضيّ نصفها‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ العبرة بتمام تسع سنين‏.‏ فإن رأت من الدّم ما يصلح أن يكون حيضًا وقد بلغت هذه السّنّ حكم بكونه حيضًا‏.‏ وثبتت في حقّها أحكام الحيض كلّها‏.‏

قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة»‏.‏ «وروي مرفوعاً من رواية ابن عمر»‏.‏

وهناك أقوال أخرى في أقلّ سنّ تحيض له المرأة فقيل ستّ، وقيل سبع‏.‏ وقيل اثنتا عشرة‏.‏ وقيل لا يحكم للدّم بأنّه حيض إلاّ إذا كان في أوان البلوغ بمقدّمات وأمارات من نفور الثّدي ونبات شعر العانة، وشعر الإبط وشبهه‏.‏ وكلّها أقوال ضعيفة‏.‏

كما اختلف الفقهاء في أكبر سنّ تحيض فيه المرأة - ويسمّى بسنّ الإياس، وتسمّى المرأة آيسةً - فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يحدّ بمدّة‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ بل هو أن تبلغ من السّنّ ما لا تحيض مثلها فيه، فإذا بلغت هذه السّنّ وانقطع دمها حكم بإياسها‏.‏ فإذا لم تبلغها وانقطع دمها، أو بلغتها والدّم يأتيها على العادة فليست بآيسة، لأنّه حينئذ ظاهر في أنّه ذلك المعتاد، وعود العادة يبطل الإياسة‏.‏

وقد فسّر بعضهم هذا بأنّه تراه سائلاً كثيراً احترازاً عمّا إذا رأت بلّةً يسيرةً ونحوها‏.‏

وقيّدوه بأن يكون أحمر، أو أسود، فلو كان أصفر أو أخضر أو تربيّةً لا يكون حيضاً‏.‏ وبعضهم قال‏:‏ إنّها إذا كانت عادتها قبل الإياس أن يكون دمها أصفر فرأته كذلك، أو علقاً فرأته كذلك كان حيضاً‏.‏ واستظهر ابن عابدين هذا القول‏.‏ وحدّ التّمرتاشيّ سنّ الإياس بخمسين سنةً، وقال‏:‏ وعليه المعوّل‏.‏

وقال الحصكفيّ‏:‏ وعليه الفتوى في زماننا‏.‏ وحدّه كثير منهم بخمس وخمسين سنةً‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بأنّ المرأة إذا رأت الدّم الخالص بعد تلك المدّة فإنّه حيض، وكذا لو لم يكن خالصًا وكانت عادتها كذلك‏.‏ وقال الشّافعيّة وابن تيميّة من الحنابلة‏:‏ لا حدّ لآخر سنّ الحيض بل هو ممكن ما دامت المرأة حيّةً‏.‏ وقال المحامليّ‏:‏ آخره ستّون سنةً‏.‏

قال الرّمليّ‏:‏ ولا منافاة بين القول بأنّه لا حدّ لآخره، والقول بتحديده باثنتين وستّين سنةً لأنّه باعتبار الغالب حتّى لا يعتبر النّقص عنه‏.‏

وعند المالكيّة أقوال لخصّها العدويّ بقوله‏:‏ بنت سبعين سنةً ليس دمها بحيض، وبنت خمسين يسأل النّساء، فإن جزمن بأنّه حيض أو شككن فهو حيض وإلاّ فلا، والمراهقة وما بعدها للخمسين يجزم بأنّه حيض ولا سؤال، والمرجع في ذلك العرف والعادة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ أكثر سنّ تحيض فيه المرأة خمسون سنةً، لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏"‏ إذا بلغت المرأة خمسين سنةً خرجت من حدّ الحيض ‏"‏ وقالت أيضاً‏:‏ ‏"‏ لن ترى في بطنها ولداً بعد الخمسين ‏"‏‏.‏ وجاء في الإنصاف نقلاً عن المغني في العدد‏:‏ وإن رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها فهو حيض في الصّحيح‏.‏وينظر مصطلح ‏(‏إياس‏)‏‏.‏

فترة الحيض

11 - اختلف الفقهاء في أقلّ فترة الحيض وأكثرها‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام بلياليها - وقدّروها باثنتين وسبعين ساعةً، وأكثره عشرة أيّام بلياليها‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ وقد روي ذلك عن ستّة من الصّحابة بطرق متعدّدة فيها مقال يرتفع بها الضّعيف إلى الحسن‏.‏ وقال الكمال بن الهمام‏:‏ والمقدّرات الشّرعيّة ممّا لا تدرك بالرّأي، فالموقوف فيها حكمه الرّفع‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا حدّ لأقلّه بالزّمان، ولذلك بيّنوا أقلّه في المقدار وهو دفعة، قالوا‏:‏ وهذا بالنّسبة إلى العبادة، وأمّا في العدّة والاستبراء فلا بدّ من يوم أو بعضه‏.‏

وأمّا أكثره فإنّه يختلف عندهم بوجود الحمل وعدمه‏.‏ فأكثر الحيض لغير الحامل خمسة عشر يوماً سواء كانت مبتدأةً أو معتادةً، غير أنّ المعتادة - وهي الّتي سبق لها حيض ولو مرّةً - تستظهر ثلاثة أيّام على أكثر عادتها إن تمادى بها‏.‏ فإذا اعتادت خمسةً ثمّ تمادى مكثت ثمانيةً، فإن تمادى في المرّة الثّالثة مكثت أحد عشر‏.‏ فإن تمادى في الرّابعة مكثت أربعة عشر، فإن تمادى في مرّة أخرى مكثت يوماً ولا تزيد على الخمسة عشر‏.‏

وأمّا الحامل - وهي عندهم تحيض - فأكثر حيضها يختلف باختلاف الأشهر سواء كانت مبتدأةً أو معتادةً‏.‏

قال مالك‏:‏ ليس أوّل الحمل كآخره، ولذلك كثرت الدّماء بكثرة أشهر الحمل‏.‏

فإذا حاضت الحامل في الشّهر الثّالث من حملها، أو الرّابع، أو الخامس واستمرّ الدّم نازلاً عليها كان أكثر الحيض في حقّها عشرين يوماً، وما زاد على ذلك فهو دم علّة وفساد‏.‏

وإذا حاضت في الشّهر السّابع من حملها، أو الثّامن، أو التّاسع منه واستمرّ الدّم نازلاً عليها كان أكثر الحيض في حقّها ثلاثين يوماً‏.‏ وأمّا إذا حاضت في الشّهر السّادس فحكمه حكم ما بعده من الأشهر لا ما قبله وعلى هذا جميع شيوخ أفريقيّة وهو المعتمد‏.‏ وظاهر المدوّنة أنّ حكمه حكم ما قبله وهو خلاف المعتمد‏.‏

وإذا حاضت في الشّهر الأوّل أو الثّاني فهي كالمعتادة غير الحامل تمكث عادتها، والاستظهار وهو قول مالك المرجوع إليه وهو الرّاجح‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ الّذي ينبغي على قول مالك الّذي رجع إليه أن تجلس في الشّهر والشّهرين قدر أيّامها والاستظهار، لأنّ الحمل لا يظهر في شهر ولا في شهرين فهي محمولة على أنّها حائل حتّى يظهر الحمل ولا يظهر إلاّ في ثلاثة أشهر‏.‏

والقول الثّاني هو أنّ حكم الحيض في الشّهر الأوّل والثّاني حكم ما بعده أي الشّهر الثّالث وهو قول مالك المرجوع عنه‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أقلّ الحيض يوم وليلة لقول عليّ رضي الله عنه‏:‏ وأقلّ الحيض يوم وليلة ولأنّ الشّرع علّق على الحيض أحكاماً، ولم يبيّنه فعلم أنّه ردّه إلى العرف كالقبض والحرز، وقد وجد حيض معتاد يومًا، ولم يوجد أقلّ منه قال عطاء‏:‏ رأيت من تحيض يوماً‏.‏ وقال الشّافعيّ‏:‏ رأيت امرأةً قالت‏:‏ إنّها لم تزل تحيض يوماً لا تزيد‏.‏

وقال أبو عبد اللّه الزّبيريّ‏:‏ كان في نسائنا من تحيض يوماً أي بليلته، لأنّه المفهوم من إطلاق اليوم، وهما أربع وعشرون ساعةً‏.‏

وأكثره خمسة عشر يوماً بلياليهنّ، لقول عليّ رضي الله عنه‏:‏ ما زاد على الخمسة عشر استحاضة، وأقلّ الحيض يوم وليلة‏.‏ وقال عطاء‏:‏ ‏"‏ رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً ‏"‏ ويؤيّده ما رواه عبد الرّحمن بن أبي حاتم في سننه عن ابن عمر مرفوعاً‏:‏ «النّساء ناقصات عقل ودين‏.‏ قيل ما نقصان دينهنّ‏؟‏ قال‏:‏ تمكث إحداهنّ شطر عمرها لا تصلّي»‏.‏

وقد نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ غالب الحيض ستّ أو سبع، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش لمّا سألته تحيضي ستّة أيّام، أو سبعة أيّام في علم اللّه، ثمّ اغتسلي، فإذا رأيت أن قد طهرت واستنقأت فصلّي أربعاً وعشرين ليلةً، أو ثلاثاً وعشرين ليلةً وأيّامها، وصومي وصلّي، فإنّ ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النّساء وكما يطهرن لميقات حيضهنّ وطهرهنّ»‏.‏

أحوال الحائض

12 - الحائض إمّا أن تكون مبتدأةً، أو معتادةً، أو متحيّرةً‏.‏

فالمبتدأة‏:‏ هي من كانت في أوّل حيض أو نفاس، أو هي الّتي لم يتقدّم لها حيض قبل ذلك‏.‏ والمعتادة‏:‏ عند الحنفيّة هي من سبق منها دم وطهر صحيحان أو أحدهما‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ هي الّتي سبق لها حيض ولو مرّةً‏.‏

وهي عند الشّافعيّة من سبق لها حيض وطهر وهي تعلمهما قدراً ووقتاً‏.‏ ومذهب الحنابلة أنّ العادة لا تثبت إلاّ في ثلاثة أشهر - في كلّ شهر مرّةً - ولا يشترطون فيها التّوالي‏.‏

والمتحيّرة‏:‏ من نسيت عادتها عدداً أو مكاناً‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ هي المستحاضة غير المميّزة النّاسية للعادة‏.‏ وتسمّى الضّالّة والمضلّة والمحيّرة أيضاً بالكسر لأنّها حيّرت الفقيه‏.‏

أ - المبتدأة‏:‏

13 - إذا رأت المبتدأة الدّم وكان في زمن إمكان الحيض - أي في سنّ تسع سنوات فأكثر - ولم يكن الدّم ناقصًا عن أقلّ الحيض ولا زائدًا على أكثره - على خلاف بين الفقهاء في أقلّ الحيض وأكثره كما سبق - فإنّه دم حيض، ويلزمها أحكام الحائض، لأنّ دم الحيض جبلّة وعادة، ودم الاستحاضة لعارض من مرض ونحوه، والأصل عدمه‏.‏

وسواء أكان ما رأته دماً أسود أم لا، ولو كان صفرةً وكدرةً فإنّه حيض، لأنّه الأصل فيما تراه المرأة في زمن الإمكان، ولقول عائشة رضي الله عنها لمّا كانت النّساء يبعثن إليها بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصّفرة من دم الحيض‏:‏ لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء تريد بذلك الطّهر من الحيضة‏.‏

فإذا انقطع الدّم لدون أقلّ الحيض فليس بحيض لعدم صلاحيّته له، بل هو دم فساد‏.‏

ثمّ إنّ للمبتدأة أحوالاً، بحسب انقطاع الدّم واستمراره‏.‏

الحالة الأولى‏:‏ انقطاع الدّم لتمام أكثر الحيض فما دون‏:‏

14 - إذا انقطع الدّم دون أكثر الحيض أو لأكثره ولم يجاوز ورأت الطّهر، طهرت، ويكون الدّم بين أوّل ما تراه إلى رؤية الطّهر حيضاً، يجب عليها خلاله ما يجب على الحائض، وهو ما ذهب إليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ الدّم إن جاوز أقلّ الحيض ولم يعبر أكثره، فإنّ المبتدأة لا تجلس المجاوز لأنّه مشكوك فيه، بل تغتسل عقب أقلّ الحيض وتصوم وتصلّي فيما جاوزه، لأنّ المانع منهما هو الحيض وقد حكم بانقطاعه، وهو آخر الحيض حكماً، أشبه آخره حسّاً‏.‏ وقد صرّحوا بحرمة وطئها في الزّمن المجاوز لأقلّ الحيض قبل تكراره، لأنّ الظّاهر أنّه حيض، وإنّما أمرت بالعبادة احتياطاً لبراءة ذمّتها، فتعيّن ترك وطئها احتياطاً‏.‏ ثمّ إنّه متى انقطع الدّم يومًا فأكثر أو أقلّ قبل مجاوزة أكثر الحيض، اغتسلت عند انقطاعه، لاحتمال أن يكون آخر حيضها، ولا تطهر بيقين إلاّ بالغسل ثمّ حكمها حكم الطّاهرات، فإن عاد الدّم فكما لو لم ينقطع على ما تقدّم تفصيله‏.‏ هذا هو ظاهر المذهب عند الحنابلة وهو المعتمد‏.‏ وعندهم رواية توافق ما ذهب إليه الجمهور‏.‏

الحالة الثّانية‏:‏ استمرار الدّم وعبوره أكثر مدّة الحيض‏:‏

15 - اختلف الفقهاء فيما إذا استمرّ دم المبتدأة وجاوز أكثر الحيض، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ حيضها أكثر فترة الحيض وطهرها ما جاوزه‏.‏ فمذهب الحنفيّة أنّ حيضها في كلّ شهر عشرة، وطهرها عشرون‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ هذا دم في أيّام الحيض وأمكن جعله حيضًا فيجعل حيضًا‏.‏ وما زاد على العشرة يكون استحاضةً لأنّه لا مزيد للحيض على العشرة، وهكذا في كلّ شهر‏.‏ هذا مذهب الحنفيّة في الجملة‏.‏ وقد ذكر البركويّ للمبتدأة الّتي استمرّ دمها أربعة وجوه سبق تفصيلها في مصطلح ‏(‏استحاضة‏)‏ من الموسوعة ‏(‏3 /198‏)‏‏.‏ والمشهور عند المالكيّة أنّها تمكث خمسة عشر يوماً - أكثر فترة الحيض عندهم - أخذًا بالأحوط ثمّ هي مستحاضة‏.‏ وتفصيل أحكام استمرار الدّم في ‏(‏استحاضة‏)‏ من الموسوعة

‏(‏3 / 200 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - المعتادة‏:‏ ثبوت العادة‏:‏

16 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - إلى أنّ العادة تثبت بمرّة في المبتدأة، لحديث أمّ سلمة رضي الله عنها «أنّ امرأةً كانت تهراق الدّم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لتنظر عدد الأيّام واللّيالي الّتي كانت تحيضهنّ من الشّهر قبل أن يصيبها الّذي أصابها، فلتدع الصّلاة قدر ذلك من الشّهر،فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل ثمّ لتستثفر بثوب ثمّ لتصلّ فيه»‏.‏ فالحديث قد دلّ على اعتبار الشّهر الّذي قبل الاستحاضة، ولأنّ الظّاهر أنّها فيه كالّذي يليه لقربه إليها فهو أولى ممّا انقضى‏.‏ واستدلّ المالكيّة على ذلك بقوله تعالى ‏{‏كما بدأكم تعودون‏}‏ حيث شبّه العود بالبدء فيفيد إطلاق العود على ما فعل مرّةً واحدةً‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّها لا تثبت إلاّ بثلاث مرّات في كلّ شهر مرّة، وهو قول عند الشّافعيّة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «دعي الصّلاة قدر الأيّام الّتي كنت تحيضين فيها» وهي صيغة جمع وأقلّه ثلاث، ولأنّ ما اعتبر له التّكرار اعتبر فيه الثّلاث كالأقراء والشّهور في عدّة الحرّة، وخيار المصرّاة، ومهلة المرتدّ‏.‏ ولأنّ العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل المعاودة بمرّة واحدة‏.‏ ثمّ إنّ الدّم عندهم إمّا أن يأتي في الثّلاث متساوياً أو مختلفاً‏.‏

فإن كان الدّم في الثّلاث متساوياً ابتداءً وانتهاءً، ولم يختلف تيقّن أنّه حيض وصار عادةً‏.‏ وإن كان الدّم على أعداد مختلفة فما تكون منه ثلاثاً صار عادةً لها دون ما لم يتكرّر مرتّباً، كان كخمسة في أوّل شهر، وستّة في شهر ثان، وسبعة في شهر ثالث، فتجلس الخمسة لتكرارها ثلاثاً، كما لو لم يختلف‏.‏ أو غير مرتّب كأن ترى في الشّهر الأوّل خمسةً، وفي الشّهر الثّاني أربعةً، وفي الشّهر الثّالث ستّةً، فتجلس الأربعة لتكرّرها‏.‏

وفي رواية عن أحمد وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة أنّها تثبت بمرّتين‏.‏

وقد نصّ الحنابلة على أنّ نقص العادة لا يحتاج إلى تكرار، لأنّه رجوع إلى الأصل وهو العدم‏.‏ فلو نقصت عادتها ثمّ استحيضت بعده‏.‏ فإن كانت عادتها عشرة أيّام فرأت الدّم سبعةً ثمّ استحيضت في الشّهر الآخر جلست السّبعة لأنّها الّتي استقرّت عليها عادتها‏.‏

واختلف الحنفيّة في المعتادة إذا رأت ما يخالف عادتها مرّةً واحدةً، هل يصير ذلك المخالف عادةً لها أم لا بدّ من تكراره‏؟‏ فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يصير ذلك عادةً بمرّة واحدة‏.‏ وذهب محمّد إلى أنّه لا يصير عادةً إلاّ بتكراره‏.‏

بيان ذلك لو كانت عادتها خمسةً من أوّل الشّهر فرأت ستّةً فهي حيض اتّفاقاً، لكن عندهما يصير ذلك عادةً، فإذا استمرّ بها الدّم في الشّهر الثّاني تردّ إلى آخر ما رأت، وعند محمّد تردّ إلى العادة القديمة‏.‏ ولو رأت السّتّة مرّتين تردّ إليها عند الاستمرار اتّفاقاً‏.‏

والخلاف في العادة الأصليّة وهي أن ترى دمين متّفقين وطهرين متّفقين على الولاء أو أكثر لا الجعليّة‏.‏ أمّا الجعليّة فإنّها تنتقض برؤية المخالف مرّةً بالاتّفاق‏.‏ وصورة الجعليّة أن ترى أطهارًا مختلفةً، ودماءً مختلفةً فتبني على أوسط الأعداد على قول محمّد بن إبراهيم‏.‏ وعلى الأقلّ من المرّتين الأخيرتين على قول أبي عثمان سعيد بن مزاحم‏.‏

أحوال المعتادة

المعتادة إمّا أن ترى من الدّم ما يوافق عادتها‏.‏ أو ينقطع الدّم دون عادتها، أو يجاوز عادتها‏.‏

موافقة الدّم للعادة

17 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا رأت المعتادة ما يوافق عادتها بأن انقطع دمها ولم ينقص أو يزد على عادتها، فأيّام الدّم حيض وما بعدها طهر‏.‏

فإن كانت عادتها خمسة أيّام حيضًا‏.‏ وخمسةً وعشرين طهراً ورأت ما يوافق ذلك، فحيضها خمسة أيّام، وطهرها خمسة وعشرون كعادتها‏.‏

انقطاع الدّم دون العادة

18 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا انقطع دم المعتادة دون عادتها، فإنّها تطهر بذلك ولا تتمّم عادتها، بشرط أن لا يكون انقطاع الدّم دون أقلّ الحيض‏.‏ ومنع الحنفيّة وطأها حينئذ حتّى تمضي عادتها وإن اغتسلت‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب‏.‏ ومذهب الجمهور أنّه يجوز وطؤها‏.‏

وقد صرّح الحنابلة بعدم كراهته كسائر الطّاهرات ومتى كان انقطاع الدّم دون أقلّ الحيض - على الخلاف المتقدّم فيه - فليس ذلك الدّم بحيض في حقّها لتبيّن أنّه دم فساد لا حيض ومن ثمّ فإنّها تقضي الصّلاة والصّوم‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بأنّها تصلّي كلّما انقطع الدّم، لكن تنتظر إلى آخر الوقت المستحبّ وجوبًا فإن لم يعد في الوقت تتوضّأ فتصلّي وكذا تصوم إن انقطع ليلاً، فإن عاد في الوقت أو بعده في العشرة الأيّام بعد الحكم بطهارتها فتقعد عن الصّوم والصّلاة‏.‏

والفرق عندهم بين انقطاع الدّم قبل العادة وبعد الثّلاث - وهو أقلّ الحيض عندهم - وانقطاعه قبل الثّلاث أنّها تصلّي، بالغسل كلّما انقطع قبل العادة وبعد الثّلاث لا بالوضوء‏.‏ لأنّه تحقّق كونها حائضًا برؤية الدّم ثلاثةً فأكثر، بخلاف انقطاعه قبل الثّلاث، فإنّها تصلّي بالوضوء لأنّه تبيّن أنّ الدّم دم فساد لا دم حيض‏.‏

وإن عاد الدّم بعد انقطاعه، فمذهب الحنفيّة أنّه يبطل الحكم بطهارتها بشرط أن يعود في مدّة أكثر الحيض - عشرة أيّام - ولم يتجاوزها‏.‏

وأن تبقى بعد ذلك طاهراً أقلّ الطّهر - خمسة عشر يوماً - فلو تجاوز أكثر الحيض أو نقص الطّهر عن ذلك فحيضها أيّام عادتها فقط‏.‏ ولو اعتادت في الحيض يوماً دماً ويوماً طهراً هكذا إلى العشرة، فإذا رأت الدّم في اليوم الأوّل تترك الصّلاة والصّوم‏.‏

وإذا طهرت في الثّاني توضّأت وصلّت وفي الثّالث تترك الصّلاة والصّوم‏.‏ وفي الرّابع تغتسل وتصلّي وهكذا إلى العشرة‏.‏

ومذهب المالكيّة فيما لو عاد الدّم بعد انقطاعه، فإن كان مقدار الانقطاع لا يبلغ أقلّ الطّهر ألغي ولم يحتسب به، وأضيف الدّم الأوّل إلى الثّاني، وجعل حيضةً منقطعةً تغتسل منها المرأة عند إدبار الدّم وإقبال الطّهر، يومًا كان أو أكثر، وتصلّي فإذا عاد الدّم إليها كفّت عن الصّلاة وضمّته إلى أيّام دمها، وعدّته من حيضتها‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا عاد الدّم بعد النّقاء، فالكلّ حيض - الدّم والنّقاء - بشروط‏:‏ وهي أن لا يجاوز ذلك خمسة عشر يوماً، ولم تنقص الدّماء من أقلّ الحيض، وأن يكون النّقاء محتوشاً بين دمي الحيض‏.‏ وهذا القول يسمّى عندهم قول السّحب وهو المعتمد‏.‏ والقول الثّاني عندهم هو أنّ النّقاء طهر، لأنّ الدّم إذا دلّ على الحيض وجب أن يدلّ النّقاء على الطّهر ويسمّى هذا القول قول اللّقط وقول التّلفيق‏.‏ ومحلّ التّلفيق عندهم في الصّلاة والصّوم ونحوهما بخلاف العدّة، فلا يجعل النّقاء طهراً في انقضاء العدّة بإجماعهم‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّها إن طهرت في أثناء عادتها طهراً خالصاً ولو أقلّ مدّة فهي طاهر تغتسل وتصلّي وتفعل ما تفعله الطّاهرات، ولا يكره وطء الزّوج لها بعد الاغتسال، فإن عاودها الدّم في أثناء العادة ولم يجاوزها، فإنّها تجلس زمن الدّم من العادة كما لو لم ينقطع، لأنّه صادف زمن العادة‏.‏

مجاوزة الدّم للعادة

19 - اختلف الفقهاء فيما إذا جاوز دم المعتادة عادتها‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا رأت المعتادة ما يخالف عادتها، فإمّا أن تنتقل عادتها أو لا، فإن لم تنتقل ردّت إلى عادتها، فيجعل المرئيّ فيها حيضًا وما جاوز العادة استحاضةً، وإن انتقلت فالكلّ حيض - وسيأتي تفصيل قاعدة انتقال العادة - فإذا استمرّ دم المعتادة وزاد على أكثر الحيض فطهرها وحيضها ما اعتادت فتردّ إليها فيهما في جميع الأحكام إن كان طهرها أقلّ من ستّة أشهر، فإن كان طهرها ستّة أشهر فأكثر فإنّه لا يقدّر حينئذ بذلك، لأنّ الطّهر بين الدّمين أقلّ من أدنى مدّة الحمل عادةً فيردّ إلى ستّة أشهر إلاّ ساعةً تحقيقاً للتّفاوت بين طهر الحيض وطهر الحمل وحيضها بحاله‏.‏

وهذا قول محمّد بن إبراهيم الميدانيّ‏.‏ قال في العناية وغيرها‏:‏ وعليه الأكثر‏.‏

وفي التتارخانية‏:‏ وعليه الاعتماد، وهناك قول عن محمّد أنّه مقدّر بشهرين واختاره الحاكم‏.‏

قال صاحب العناية‏:‏ قيل والفتوى على قول الحاكم واخترنا قول الميدانيّ لقوّة قوله روايةً ودرايةً‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ إنّ ما اختاره الحاكم الشّهيد عليه الفتوى، لأنّه أيسر على المفتي والنّساء ومشى عليه في الدّرّ المختار‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا تمادى دم الحيض على المعتادة، فإنّها تستظهر ثلاثة أيّام من أيّام الدّم الزّائد على أكثر عادتها، ثمّ هي طاهر بشرط أن لا تجاوز خمسة عشر يوماً، فإذا اعتادت خمسة أيّام أوّلاً، ثمّ تمادى، مكثت ثمانيةً، فإن تمادى في المرّة الثّالثة مكثت أحد عشر، فإن تمادى في الرّابعة مكثت أربعة عشر‏.‏ فإن تمادى في مرّة أخرى فلا تزيد على الخمسة عشر‏.‏ ومن كانت عادتها ثلاثة عشر فتستظهر يومين‏.‏ ومن عادتها خمسة عشر فلا استظهار عليها، وقاعدة ذلك أنّ الّتي أيّام عادتها اثنا عشر يومًا فدون ذلك تستظهر بثلاثة أيّام وثلاثة عشر بيومين، وأربعة عشر بيوم، وخمسة عشر لا تستظهر بشيء‏.‏ وأمّا الّتي عادتها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيّام وفي آخر أقلّ أو أكثر إذا تمادى بها الدّم فإنّها تستظهر على أكثر أيّامها على المشهور‏.‏

وقال ابن حبيب تستظهر على أقلّ العادة‏.‏ وأيّام الاستظهار كأيّام الحيض، والدّم بعد الاستظهار فيما بين عادتها ونصف شهر استحاضة‏.‏

وتغتسل بعد الاستظهار وتصلّي وتصوم وتوطأ وإن كان ذلك قبل الخمسة عشر يوماً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن جاوز الدّم عادتها ولم يعبر أكثر الحيض فالجميع حيض، لأنّ الأصل استمرار الحيض‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّها لا تلتفت إلى ما خرج عن عادتها قبل تكرّره، فما تكرّر من ذلك ثلاثًا أو مرّتين على اختلاف في ذلك فهو حيض، وإلاّ فلا، فتصوم وتصلّي قبل التّكرار‏.‏ وتغتسل عند انقطاعه ثانياً‏.‏ فإذا تكرّر ثلاثاً أو مرّتين صار عادةً فتعيد ما صامته ونحوه من فرض‏.‏ ويرى ابن قدامة أنّها تصير إليه من غير تكرار «لقول عائشة رضي الله عنها للنّساء‏:‏ لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء»، ولأنّ الشّارع ردّ النّاس إلى العرف في مثل هذه الحالة والعرف بين النّساء أنّ المرأة متى رأت دماً يصلح لأن يكون حيضاً اعتقدته حيضاً، وإن عبر الدّم أكثر الحيض فهو استحاضة‏.‏ وقد سبق تفصيل أحكامها في مصطلح استحاضة‏.‏

مذهب الحنفيّة في انتقال العادة

20 - إذا رأت المعتادة ما يخالف عادتها في الحيض‏.‏ فإذا لم يجاوز الدّم العشرة الأيّام، فالكلّ حيض، وانتقلت العادة عدداً فقط إن طهرت بعده طهراً صحيحاً خمسة عشر يوماً، وإن جاوز العشرة الأيّام ردّت إلى عادتها، لأنّه صار كالدّم المتوالي‏.‏

وهذا فيما إذا لم تتساو العادة والمخالفة حيث يصير الثّاني عادةً لها‏.‏ فإن تساوت العادة والمخالفة فالعدد بحاله، سواء رأت نصاباً ‏"‏ ثلاثة أيّام ‏"‏ في أيّام عادتها، أو قبلها، أو بعدها، أو بعضه في أيّامها، وبعضه قبلها أو بعدها، لكن إن وافق زماناً وعدداً فلا انتقال أصلاً‏.‏ وإلاّ فالانتقال ثابت على حسب المخالف‏.‏

فإذا جاوز الدّم العشرة ووقع نصاب في زمان العادة‏.‏ فالواقع في زمان العادة فقط حيض والباقي استحاضة‏.‏ ثمّ إنّه متى كان الواقع في زمان العادة مساوياً لعادتها عدداً، فالعادة باقية في حقّ العدد والزّمان معاً‏.‏ فإن لم يكن مساوياً لعادتها انتقلت العادة عدداً إلى ما رأته ناقصاً‏.‏ وإنّما قيّد بالنّاقص لأنّه لا احتمال لكون الواقع في العادة زائداً عليها‏.‏

وإذا جاوز الدّم العشرة ولم يقع في زمان العادة نصاب بأن لم تر شيئاً، أو رأت أقلّ من ثلاثة أيّام انتقلت العادة زمانًا، والعدد بحاله يعتبر من أوّل ما رأت‏.‏

انتقال العادة عند غير الحنفيّة

21 - صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ العادة قد تنتقل، فتتقدّم أو تتأخّر، أو يزيد قدر الحيض أو ينقص‏.‏ ومن أمثلة انتقال العادة عند المالكيّة ما إذا تمادى دم المعتادة وزاد على عادتها فإنّها تستظهر بثلاثة أيّام على عادتها، ويصير الاستظهار عادةً لها‏.‏

وقد ذكر الشّافعيّة أمثلةً كثيرةً على انتقال العادة، نذكر منها ما يلي‏:‏ إذا كانت عادتها الأيّام الخمسة الثّانية من الشّهر، فرأت في بعض الشّهور، الأيّام الخمسة الأولى دماً وانقطع، فقد تقدّمت عادتها، ولم يزد حيضها، ولم ينقص ولكن نقص طهرها فصار عشرين بعد أن كان خمسةً وعشرين‏.‏ وإن رأته في الخمسة الثّالثة، أو الرّابعة، أو الخامسة أو السّادسة، فقد تأخّرت عادتها، ولم يزد حيضها، ولم ينقص، ولكن زاد طهرها‏.‏

وإن رأته في الخمسة الثّانية مع الثّالثة فقد زاد حيضها، وتأخّرت عادتها‏.‏

وإن رأته في الخمسة الأولى والثّانية، فقد زاد حيضها وتقدّمت عادتها‏.‏ وإن رأته في الخمسة الأولى والثّانية والثّالثة فقد زاد حيضها، فصار خمسة عشر وتقدّمت عادتها وتأخّرت‏.‏ وإن رأته في أربعة أيّام أو ثلاثة، أو يومين، أو يوم من الخمسة المعتادة، فقد نقص حيضها ولم تنتقل عادتها‏.‏ وإن رأته في يوم أو يومين، أو ثلاثة، أو أربعة من الخمسة الأولى فقد نقص حيضها وتقدّمت عادتها‏.‏ وإن رأت ذلك في الخمسة الثّالثة، أو الرّابعة، أو ما بعد ذلك فقد نقص حيضها وتأخّرت عادتها‏.‏

والأمثلة الّتي ذكرها الحنابلة في انتقال العادة لا تخرج عن الأمثلة الّتي ذكرها الشّافعيّة‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة بأنّ العمل بالعادة المنتقلة متّفق عليه في الجملة عندهم، وانتقال العادة يثبت بمرّة في الأصحّ‏.‏ وهذا إن كانت متّفقةً غير مختلفة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ المرأة إذا كانت لها عادة مستقرّة في الحيض، فرأت الدّم في غير عادتها لم تعتبر ما خرج عن العادة حيضًا حتّى يتكرّر ثلاثًا في أكثر الرّوايات، أو مرّتين في رواية‏.‏ وسواء رأت الدّم قبل عادتها أو بعدها، مع بقاء العادة، أو انقطاع الدّم فيها، أو في بعضها، فإنّها لا تجلس في غير أيّامها حتّى يتكرّر مرّتين أو ثلاثاً، فإذا تكرّر علمنا أنّه حيض متنقّل فتصير إليه، أي تترك الصّلاة والصّوم فيه، ويصير عادةً لها، وتترك العادة الأولى‏.‏ ويجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في هذه المرّات الثّلاث الّتي أمرناها بالصّيام فيها، لأنّنا تبيّنّا أنّها صامته في حيض، والصّوم في الحيض غير صحيح‏.‏ ولا تقضي الصّلاة‏.‏ وقيل‏:‏ لا حاجة إلى التّكرار، وتنتقل بمجرّد رؤيتها دمًا يصلح أن يكون حيضاً‏.‏ فعليه‏:‏ تجلس ما تراه من الدّم قبل عادتها وبعدها ما لم يزد عن أكثر الحيض، ورجّحه صاحب المغني‏.‏ وعلى كلّ حال فإن تجاوزت الزّيادة أكثر الحيض فهي استحاضة ونردّها إلى عادتها، ويلزمها قضاء ما تركته من الصّلاة والصّيام فيما زاد عن عادتها‏.‏ وإن كانت لها عادة فرأت الدّم أكثر منها وجاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة، وحيضها منه قدر العادة لا غير‏.‏ ولا تجلس بعد ذلك من الشّهور المستقبلة إلاّ قدر العادة بلا خلاف عند من اعتبر العادة‏.‏

أنواع العادة

22 - العادة ضربان‏:‏ متّفقة، ومختلفة‏.‏ فالمتّفقة ما كانت أيّاماً متساويةً، كسبعة من كلّ شهر، فهذه تجلس أيّام عادتها ولا تلتفت إلى ما زاد عليها‏.‏

والمختلفة هي ما كانت أيّاماً مختلفةً، وهي قسمان مرتّبة، بأن ترى في شهر ثلاثةً، وفي الثّاني أربعة، وفي الثّالث خمسةً، ثمّ تعود إلى مثل ذلك‏.‏ فهذه، إذا استحيضت في شهر وعرفت نوبته عملت عليه‏.‏ وإن نسيت نوبته جلست الأقلّ، وهو ثلاثة لأنّه المتيقّن‏.‏

وغير مرتّبة‏:‏ بأن تتقدّم هذه مرّةً، وهذه أخرى كأن تحيض في شهر ثلاثةً، وفي الثّاني خمسةً، وفي الثّالث أربعةً‏.‏ فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف هو، فالّتي قبلها، وإن لم يمكن ضبطه ردّت إلى ما قبل شهر الاستحاضة عند الشّافعيّة بناءً على ثبوت العادة بمرّة‏.‏ وعند الحنابلة تجلس الأقلّ في كلّ شهر‏.‏

وتلفيق الحيض

23 - اختلف الفقهاء فيما إذا رأت المرأة الدّم يوماً أو أيّاماً، والطّهر يوماً أو أيّاماً، بحيث لا يحصل لها طهر كامل، اختلافًا يرجع حاصله إلى قولين‏:‏

الأوّل‏:‏ ويسمّى قول التّلفيق أو اللّقط، وهو أن تلفّق حيضها من أيّام الدّم فقط، وتلغي أيّام الطّهر فتكون فيها طاهراً، تصلّي وتصوم‏.‏

والقول الثّاني ويسمّيه الشّافعيّة قول السّحب، وهو أن تجعل أيّام الدّم، وأيّام الطّهر كلّها أيّام حيض‏.‏ وذلك بشروط ذكروها، وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلفيق‏)‏‏.‏

الطّهر من الحيض

أ - أقلّ الطّهر وأكثره‏:‏

24 - أجمع الفقهاء على أنّه لا حدّ لأكثر الطّهر، لأنّ المرأة قد لا تحيض أصلاً‏.‏

وقد تحيض في السّنة مرّةً واحدةً‏.‏ حكى أبو الطّيّب من الشّافعيّة، أنّ امرأةً في زمنه كانت تحيض في كلّ سنة يوماً وليلةً‏.‏ واختلفوا في أقلّ الطّهر‏.‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة على المشهور، والشّافعيّة إلى أنّ أقلّ طهر بين حيضتين خمسة عشر يوماً بلياليها، لأنّ الشّهر غالباً لا يخلو من حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقلّ الطّهر كذلك‏.‏ واستدلّ الحنفيّة على ذلك بإجماع الصّحابة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ أقلّ الطّهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً‏.‏ لما روى أحمد واحتجّ به عن عليّ رضي الله عنه ‏"‏ أنّ امرأةً جاءته - قد طلّقها زوجها - فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض‏.‏ فقال عليّ لشريح‏.‏ قل فيها‏.‏ فقال شريح‏:‏ إن جاءت ببيّنة من بطانة أهلها ممّن يرجى دينه وأمانته فشهدت بذلك‏.‏ وإلاّ فهي كاذبة‏.‏ فقال عليّ‏:‏ قالون - أي جيّد بالرّوميّة - قالوا‏:‏ وهذا لا يقوله إلاّ توقيفاً، وهو قول صحابيّ اشتهر، ولم يعلم خلافه‏.‏ ووجود ثلاث حيض في شهر دليل على أنّ الثّلاثة عشر طهر صحيح يقيناً‏.‏

قال أحمد‏:‏ لا يختلف أنّ العدّة يصحّ أن تنقضي في شهر إذا قامت به البيّنة‏.‏

وغالب الطّهر باقي الشّهر الهلاليّ بعد غالب الحيض، وهو عند الشّافعيّة والحنابلة أربع وعشرون، أو ثلاثة وعشرون، وعند الحنفيّة خمس وعشرون‏.‏

ب - علامة الطّهر‏:‏

25 - الطّهر من الحيض يتحقّق بأحد أمرين، إمّا انقطاع الدّم، أو رؤية القصّة‏.‏ والمقصود بانقطاع الدّم الجفاف بحيث تخرج الخرقة غير الملوّثة بدم، أو كدرة، أو صفرة‏.‏ فتكون جافّةً من كلّ ذلك، ولا يضرّ بللها بغير ذلك من رطوبة الفرج‏.‏

والقصّة ماء أبيض يخرج من فرج المرأة يأتي في آخر الحيض‏.‏ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ «لمّا كانت النّساء يبعثن إليها بالدّرجة ‏"‏ اللّفافة ‏"‏ فيها الكرسف ‏"‏ القطن ‏"‏ فيه الصّفرة من دم الحيض‏.‏ لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء»‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّ الغاية الانقطاع، فإذا انقطع طهرت، سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا‏.‏

وفرّق المالكيّة بين معتادة الجفوف، ومعتادة القصّة، ومعتادة القصّة مع الجفوف‏.‏ فمعتادة الجفوف إذا رأت القصّة أوّلاً، لا تنتظر الجفوف وإذا رأت الجفوف أوّلاً، لا تنتظر القصّة‏.‏ وأمّا معتادة القصّة فقط، أو مع الجفوف إذا رأت الجفوف أوّلاً، ندب لها انتظار القصّة لآخر الوقت المختار‏.‏ وإن رأت القصّة أوّلاً فلا تنتظر شيئاً بعد ذلك‏.‏ فالقصّة أبلغ لمعتادتها، ولمعتادتها مع الجفوف أيضاً‏.‏

ج - حكم الطّهر المتخلّل بين أيّام الحيض‏:‏

26 - اختلف الفقهاء في النّقاء المتخلّل بين أيّام الحيض، هل هو حيض أو طهر‏؟‏‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه حيض‏.‏ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه طهر‏.‏

وهناك تفصيل في بعض المذاهب بيانه في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلفيق‏)‏‏.‏

د - دم الحامل‏:‏

27 - اختلف الفقهاء في دم الحامل هل هو دم حيض، أو علّة وفساد‏؟‏‏.‏

فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ دم الحامل دم علّة وفساد، وليس بحيض، لحديث أبي سعيد رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس‏:‏ لا توطأ حامل حتّى تضع، ولا غير ذات حمل حتّى تحيض» فجعل الحيض علماً على براءة الرّحم، فدلّ على أنّه لا يجتمع معه‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم في حقّ ابن عمر - لمّا طلّق زوجته وهي حائض - «مره فليراجعها ثمّ ليطلّقها طاهراً أو حاملاً»‏.‏ فجعل الحمل علماً على عدم الحيض كالطّهر‏.‏

وقد استحبّ الحنابلة للحامل أن تغتسل عند انقطاع الدّم عنها احتياطاً، وخروجاً من الخلاف‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ دم الحامل حيض، إن توافرت شروطه لعموم الأدلّة لخبر‏:‏ «دم الحيض أسود يعرف» وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت في الحامل ترى الدّم‏:‏ أنّها تترك الصّلاة، من غير نكير، فكان إجماعاً‏.‏ وإجماع أهل المدينة عليه، ولأنّه دم متردّد بين دمي الجبلّة والعلّة، والأصل السّلامة من العلّة، ولأنّه دم لا يمنعه الرّضاع بل إذا وجد معه حكم بكونه حيضاً، وإن ندر فكذا لا يمنعه الحيض‏.‏

وأكثر الحيض للحامل عند المالكيّة يختلف عن غيرها، وقد سبق بيانه في فترة الحيض‏.‏

هـ – أنواع الطّهر‏:‏

28 - قسّم الحنفيّة الطّهر إلى صحيح، وفاسد، وإلى تامّ، وناقص‏.‏

فالطّهر الصّحيح‏:‏ هو النّقاء خمسة عشر يومًا فأكثر لا يشوبه خلالها دم مطلقاً لا في أوّله، ولا في وسطه، ولا في آخره، ويكون بين دمين صحيحين، والطّهر الفاسد ما خالف الصّحيح في أحد أوصافه، بأن كان أقلّ من خمسة عشر، أو خالطه دم أو لم يقع بين دمين صحيحين‏.‏

فإذا كان الطّهر أقلّ من خمسة عشر يوماً، فإنّه طهر فاسد، ويجعل كالدّم المتوالي‏.‏ ولو كان خمسة عشر يوماً، لكن خالطه دم صار طهراً فاسداً، كما لو رأت المبتدأة أحد عشر يوماً دماً، وخمسة عشر طهراً، ثمّ استمرّ بها الدّم، فالطّهر هنا صحيح ظاهر، لأنّه استكمل خمسة عشر، لكنّه فاسد معنىً، لأنّ اليوم الحادي عشر تصلّي فيه فهو من جملة الطّهر‏.‏ فقد خالط هذا الطّهر دم في أوّله ففسد‏.‏

وإذا كان الطّهر خمسة عشر يوماً، ولكن كان بين استحاضتين، أو بين حيضين ونفاس، أو بين نفاس واستحاضة، أو بين طرفي نفاس واحد، فإنّه يكون طهراً فاسداً‏.‏

والطّهر التّامّ ما كان خمسة عشر يوماً فأكثر سواء أكان صحيحاً، أم فاسداً‏.‏

والطّهر النّاقص‏:‏ ما نقص عن خمسة عشر يوماً، وهو نوع من الطّهر الفاسد‏.‏

ما يترتّب على الحيض

أولاً - البلوغ‏:‏

29 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحيض علامة من علامات البلوغ الّتي يحصل بها التّكليف، فإذا رأت المرأة الدّم في زمن الإمكان، أصبحت بالغةً مكلّفةً يجب عليها ما يجب على البالغات المكلّفات، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار»‏.‏ فأوجب عليها أن تستتر لبلوغها بالحيض‏.‏ فدلّ على أنّ التّكليف حصل به‏.‏

وقيّد المالكيّة ذلك بالحيض الّذي ينزل بنفسه، أمّا إذا تسبّب في جلبه، فلا يكون علامةً‏.‏

ثانياً - التّطهّر‏:‏

30 - صرّح الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة بأنّه لا تصحّ طهارة الحائض، فإذا اغتسلت الحائض لرفع حدث الجنابة، فلا يصحّ غسلها، وذهب الحنابلة إلى أنّ الحائض، إن اغتسلت للجنابة زمن حيضها صحّ غسلها، واستحبّ تخفيفاً للحدث، ويزول حكم الجنابة‏.‏ لأنّ بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر‏.‏ كما لو اغتسل المحدث حدثاً أصغر‏.‏

ونصّوا على أنّه ليس عليها أن تغتسل للجنابة حتّى ينقطع حيضها لعدم الفائدة‏.‏

أ - غسل الحائض‏:‏

31 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحيض موجب من موجبات الغسل، فإذا انقطع الدّم وجب على المرأة أن تغتسل لاستباحة ما كانت ممنوعةً منه بالحيض، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ دعي الصّلاة قدر الأيّام الّتي كنت تحيضين فيها ثمّ اغتسلي وصلّي» وأمر به أمّ حبيبة وسهلة بنت سهيل وغيرهنّ‏.‏

ويؤيّده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ‏}‏ أي إذا اغتسلن، فمنع الزّوج من وطئها قبل غسلها فدلّ على وجوبه عليها لإباحة الوطء، ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ الانقطاع شرط لصحّة الغسل، وزاد الشّافعيّة القيام إلى الصّلاة ونحوها، والمراد بالقيام إلى الصّلاة، إمّا حقيقةً، بأن أرادت صلاة ما قبل دخول الوقت من نافلة أو مقضيّة، أو حكماً بأن دخل وقت الصّلاة، إذ بدخوله تجب الصّلاة ويجب تحصيل شروطها وإن لم ترد الفعل فهي مريدة حكماً لكون الشّارع ألجأها إلى الفعل المستلزم للإرادة فهي مريدة بالقوّة‏.‏

وغسل الحيض كغسل الجنابة، ويستحبّ للمغتسلة من الحيض، غير المحرمة والمحدّة تطييب موضع الدّم‏.‏ لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «أنّ أسماء رضي الله عنها، سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض‏؟‏ فقال‏:‏ تأخذ إحداكنّ ماءها وسدرتها فتطهّر فتحسن الطّهور‏.‏ ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً، حتّى تبلغ شؤون رأسها، ثمّ تصبّ عليها الماء‏.‏ ثمّ تأخذ فرصةً ممسّكةً فتطهّر بها فقالت أسماء‏:‏ وكيف تطهّر بها‏.‏ فقال‏:‏ سبحان اللّه‏.‏ تطهّرين بها‏.‏ فقالت عائشة‏.‏ كأنّها تخفي ذلك تتبّعين أثر الدّم‏.‏ وسألته عن غسل الجنابة‏؟‏ فقال‏:‏ تأخذ ماءً فتطهّر، فتحسن الطّهور، أو تبلغ الطّهور‏.‏ ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه‏.‏ حتّى تبلغ شؤون رأسها‏.‏ ثمّ تفيض عليها الماء‏.‏ فقالت عائشة‏:‏ نعم النّساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدّين»‏.‏

ب - طهارة الحائض‏:‏

32 - لا خلاف بين الفقهاء في طهارة جسد الحائض، وعرقها، وسؤرها، وجواز أكل طبخها وعجنها، وما مسّته من المائعات، والأكل معها ومساكنتها، من غير كراهة، لما روي «أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولا يجامعوهنّ في البيوت، فسأل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ‏}‏ الآية‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ اصنعوا كلّ شيء إلاّ النّكاح، فأنكرت اليهود ذلك‏.‏ فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقالا يا رسول اللّه‏:‏ إنّ اليهود تقول‏:‏ كذا كذا، فلا نجامعهنّ‏؟‏ فتغيّر وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما»‏.‏ ولما روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة‏:‏ ناوليني الخمرة من المسجد فقالت‏:‏ إنّي حائض‏.‏ قال‏:‏ إنّ حيضتك ليست في يدك»‏.‏ «وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يشرب من سؤر عائشة وهي حائض، ويضع فاه على موضع فيها»‏.‏

«وكانت تغسل رأس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهي حائض»‏.‏

وقد نقل ابن جرير وغيره الإجماع على ذلك‏.‏

ثالثاً - الصّلاة‏:‏

33 - اتّفق الفقهاء على عدم صحّة الصّلاة من الحائض إذ الحيض مانع لصحّتها‏.‏ كما أنّه يمنع وجوبها، ويحرم عليها أداؤها‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصّلاة عنها في أيّام حيضها، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة» كما نقل النّوويّ الإجماع على سقوط وجوب الصّلاة عنها‏.‏ وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ سجود التّلاوة والشّكر في معنى الصّلاة فيحرمان على الحائض‏.‏

كما اتّفق الفقهاء على أنّ قضاء ما فات الحائض في أيّام حيضها ليس بواجب، لما روت معاذة قالت‏:‏ «سألت عائشة ما بال الحائض تقضي الصّوم، ولا تقضي الصّلاة‏؟‏ فقالت‏:‏ أحروريّة أنت‏؟‏ فقلت‏:‏ لست بحروريّة‏.‏ ولكن أسأل‏.‏ فقالت‏:‏ كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصّوم، ولا نؤمر بقضاء الصّلاة»‏.‏

ثمّ إنّ الفقهاء اختلفوا في حكم قضائها للصّلاة إذا أرادت قضاءها‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه خلاف الأولى‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى كراهة قضائها، وتنعقد نفلاً مطلقاً لا ثواب فيه، لأنّها منهيّة عن الصّلاة، لذات الصّلاة، والمنهيّ عنه لذاته لا ثواب فيه‏.‏ وقال أبو بكر البيضاويّ بحرمتها‏.‏ وخالف الرّمليّ فقال بصحّتها وانعقادها على قول الكراهة المعتمد، إذ لا يلزم من عدم طلب العبادة عدم انعقادها‏.‏ وقيل لأحمد في رواية الأثرم‏:‏ فإن أحبّت أن تقضيها‏؟‏ قال‏:‏ لا، هذا خلاف السّنّة، قال في الفروع‏:‏ فظاهر النّهي التّحريم‏.‏ ويتوجّه احتمال أنّه يكره لكنّه بدعة، ولعلّ المراد إلاّ ركعتي الطّواف، لأنّها نسك لا آخر لوقته‏.‏

إدراك وقت الصّلاة

الحائض إمّا أن تدرك أوّل وقت الصّلاة بأن تكون طاهرًا ثمّ يطرأ الحيض، أو تدرك آخر الوقت بأن تكون حائضاً ثمّ تطهر‏.‏

أ - إدراك أوّل الوقت‏:‏

34 - اختلف الفقهاء فيما إذا أدركت الحائض أوّل الوقت، بأن كانت طاهراً ثمّ حاضت هل تجب عليها تلك الصّلاة أو لا‏؟‏‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه إن طرأ الحيض في أثناء الوقت سقطت تلك الصّلاة، ولو بعد ما افتتحت الفرض‏.‏ أمّا لو طرأ وهي في التّطوّع، فإنّه يلزمها قضاء تلك الصّلاة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه إن حدث الحيض في وقت مشترك بين الصّلاتين سقطت الصّلاتان، وإن حدث في وقت مختصّ بإحداهما، سقطت المختصّة بالوقت وقضيت الأخرى‏.‏

فمثلاً إنّ أوّل الزّوال مختصّ بالظّهر إلى أربع ركعات في الحضر، وركعتين في السّفر، ثمّ تشترك الصّلاتان إلى أن تختصّ العصر بأربع قبل الغروب في الحضر، وركعتين في السّفر‏.‏ فلو حاضت المرأة في وقت الاشتراك سقطت الظّهر والعصر، ولو حاضت في وقت الاختصاص بالعصر وكانت لم تصلّ الظّهر ولا العصر سقط عنها قضاء العصر وحدها، ولو حاضت في وقت الاختصاص بالظّهر سقطت، وإن تمادى الحيض إلى وقت الاشتراك سقطت العصر، فإن ارتفع قبله وجبت، ومثل ذلك في المغرب والعشاء‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن طرأ الحيض في أوّل الوقت، فإنّه تجب عليها تلك الصّلاة فقط إن أدركت قدر الفرض، ولا تجب معها الصّلاة الّتي تجمع معها بعدها، ويجب الفرض الّذي قبلها أيضاً، إن كانت تجمع معها وأدركت قدره ولم تكن قد صلّته لتمكّنها من فعل ذلك‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّه إن أدركت المرأة من أوّل الوقت قدر تكبيرة، ثمّ طرأ الحيض لزمها قضاء تلك الصّلاة الّتي أدركت التّكبيرة من وقتها فقط، لأنّ الصّلاة تجب بدخول أوّل الوقت على مكلّف، لم يقم به مانع وجوبًا مستقرًّا، فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها‏.‏

فيجب قضاها عند زوال المانع‏.‏ ولا تلزمها غير الّتي دخل وقتها قبل طروء الحيض، لأنّها لم تدرك جزءاً من وقتها، ولا من وقت تبعها فلم تجب‏.‏

ب - إدراك آخر الوقت‏:‏

35 - اختلف الفقهاء في مقدار الوقت الّذي تدرك فيه الحائض الصّلاة إن طهرت، فذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين انقطاع الدّم لأكثر الحيض، وانقطاعه قبل أكثر الحيض بالنّسبة للمبتدأة، وانقطاع دم المعتادة في أيّام عادتها أو بعدها، أو قبلها بالنّسبة للمعتادة‏.‏

فإن كان انقطاع الدّم لأكثر الحيض في المبتدأة، فإنّه تجب عليها الصّلاة لو بقي من الوقت مقدار تحريمة، وإن بقي من الوقت ما يمكنها الاغتسال فيه أيضاً، فإنّه يجب أداء الصّلاة‏.‏ فإن لم يبق من الوقت هذا المقدار فلا قضاء ولا أداء‏.‏ فالمعتبر عندهم الجزء الأخير من الوقت بقدر التّحريمة‏.‏ فلو كانت فيه طاهرةً وجبت الصّلاة وإلاّ فلا‏.‏

وإن كان انقطاع الدّم قبل أكثر مدّة الحيض بالنّسبة للمبتدأة، أو كان انقطاعه في أيّام عادتها أو بعدها - قبل تمام أكثر المدّة - أو قبلها بالنّسبة للمعتادة، فإنّه يلزمها القضاء إن بقي من الوقت قدر التّحريمة، والغسل أو التّيمّم عند العجز عن الماء‏.‏ ولا بدّ هنا من بقاء قدر الغسل أو التّيمّم زيادةً على قدر التّحريمة، لأنّ زمان الغسل أو التّيمّم حيض، فلا يحكم بطهارتها قبل الغسل أو التّيمّم، فلا بدّ أن يبقى من الوقت زمن يسعه ويسع التّحريمة، حتّى إذا لم يبق بعد زمان الغسل أو التّيمّم من الوقت مقدار التّحريمة لا يجب القضاء، وذلك بخلاف ما لو انقطع الدّم لأكثر المدّة في المبتدأة، فإنّه يكفي قدر التّحريمة فقط، لأنّ زمان الغسل أو التّيمّم من الطّهر، لئلاّ يزيد الحيض عن العشرة، فبمجرّد الانقطاع تخرج من الحيض، فإذا أدركت بعده قدر التّحريمة تحقّق طهرها فيه، وإن لم تغتسل فيلزمها القضاء، والمقصود بالغسل هنا الغسل مع مقدّماته، كالاستقاء، وخلع الثّياب، والتّستّر عن الأعين، كما أنّ المراد به الغسل الفرض لا المسنون، لأنّه الّذي يثبت به رجحان جانب الطّهارة‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الحائض تدرك الصّلاة إذا بقي من الوقت ما يسع ركعةً تامّةً، وذلك في صلاة الصّبح والعصر والعشاء، فإذا طهرت الحائض قبل الطّلوع، أو الغروب، أو الفجر بقدر ركعة، فإنّها تجب عليها تلك الصّلاة، ولا تدرك بأقلّ من ركعة على المشهور، وتدرك الظّهر والمغرب إذا بقي من وقتهما الضّروريّ ما يسع فضل ركعة على الصّلاة الأولى لا الثّانية، فإذا طهرت الحائض وقد بقي من اللّيل قدر أربع ركعات صلّت المغرب والعشاء، لأنّه إذا صلّت المغرب بقيت ركعة للعشاء‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الصّلاة تجب على الحائض إذا طهرت وقد أدركت من آخر الوقت قدر تكبيرة، فيجب قضاؤها فقط إن لم تجمع مع الّتي قبلها، وقضاؤها وقضاء ما قبلها إن كانت تجمع، فإذا طهرت قبل طلوع الشّمس، وبقي من الوقت ما يسع تكبيرةً لزمها قضاء الصّبح فقط، لأنّ الّتي قبلها لا تجمع إليها‏.‏ وإن طهرت قبل غروب الشّمس بمقدار تكبيرة لزمها قضاء الظّهر والعصر، وكذا إن طهرت قبل طلوع الفجر بمقدار تكبيرة لزمها قضاء المغرب والعشاء، لما روي عن عبد الرّحمن بن عوف وابن عبّاس أنّهما قالا‏:‏ في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة ‏"‏ تصلّي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل غروب الشّمس صلّت الظّهر والعصر جميعاً ‏"‏ لأنّ وقت الثّانية وقت للأولى في حالة العذر، ففي حالة الضّرورة أولى، لأنّها فوق العذر، وإنّما تعلّق الوجوب بقدر تكبيرة لأنّه إدراك‏.‏

رابعاً - الصّوم‏:‏

36 - اتّفق الفقهاء على تحريم الصّوم على الحائض مطلقاً فرضاً أو نفلاً، وعدم صحّته منها لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد‏:‏ «أليس إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم‏؟‏ قلن‏:‏ بلى، قال‏:‏ فذلك من نقصان دينها» فإذا رأت المرأة الدّم ساعةً من نهار، فسد صومها، وقد نقل ابن جرير والنّوويّ وغيرهما الإجماع على ذلك، قال إمام الحرمين‏:‏ وكون الصّوم لا يصحّ منها لا يدرك معناه، لأنّ الطّهارة ليست مشروطةً فيه‏.‏

كما اتّفق الفقهاء على وجوب قضاء رمضان عليها، لقول عائشة رضي الله عنها في الحيض‏:‏ كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة‏.‏

ونقل التّرمذيّ وابن المنذر وابن جرير وغيرهم الإجماع على ذلك‏.‏

واتّفق الفقهاء أيضاً على أنّ الحيض لا يقطع التّتابع في صوم الكفّارات، لأنّه ينافي الصّوم ولا تخلو عنه ذات الأقراء في الشّهر غالباً، والتّأخير إلى سنّ اليأس فيه خطر، واستثنى الحنفيّة من ذلك كفّارة اليمين ونحوها‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏كفّارة‏)‏‏.‏

إدراك الصّوم

لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا انقطع دم الحيض بعد الفجر، فإنّه لا يجزيها صوم ذلك اليوم ويجب عليها قضاؤه، ويجب عليها الإمساك حينئذ عند الحنفيّة والحنابلة، وعند المالكيّة يجوز لها التّمادي على تعاطي المفطر ولا يستحبّ لها الإمساك، وعند الشّافعيّة لا يلزمها الإمساك‏.‏

كما اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طهرت المرأة قبل الفجر، فإنّه يجب عليها صوم ذلك اليوم‏.‏ لكن اختلفوا في الفترة الّتي إذا انقطع فيها الدّم فإنّه يجزيها صوم ذلك اليوم‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجزيها صوم ذلك إذا لم يبق من الوقت قدر الاغتسال والتّحريمة، لأنّه لا يحكم بطهارتها إلاّ بهذا، وإن بقي قدرهما يجزيها، لأنّ العشاء صارت ديناً عليها، وأنّه من حكم الطّاهرات فحكم بطهارتها ضرورةً‏.‏ والمراد بالغسل هنا ما يشمل مقدّماته كما في غسل الحائض للصّلاة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّها إن رأت الطّهر قبل الفجر بلحظة وجب الصّوم، بأن رأت علامة الطّهر مقارنةً للفجر ونوت الصّوم حينئذ‏.‏

وقد صرّحوا بأنّ معتادة القصّة لا تنتظرها هنا، بل متى رأت أيّ علامة جفوفاً كانت أو قصّةً، وجب عليها الصّوم، ويصحّ صومها حينئذ، وإن لم تغتسل إلاّ بعد الفجر، بل إن لم تغتسل أصلاً، لأنّ الطّهارة ليست شرطاً في الصّوم‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه متى انقطع دم الحيض وجب عليها الصّوم، ولم يذكروا فترةً معيّنةً كالحنفيّة والمالكيّة‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وإذا انقطع الحيض ارتفع تحريم الصّوم وإن لم تغتسل‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه إذا نوت الحائض صوم غد قبل انقطاع دمها، ثمّ انقطع ليلاً صحّ إن تمّ لها في اللّيل أكثر الحيض، وكذا قدر العادة في الأصحّ‏.‏ كما صرّح الحنابلة بمثل هذا، فنصّوا على أنّه لو نوت الحائض صوم غد وقد عرفت أنّها تطهر ليلاً صحّ‏.‏

خامساً - الحجّ‏:‏

أ - أغسال الحجّ‏:‏

37 - اتّفق الفقهاء على سنّيّة أغسال الحجّ للحائض، لحديث «عائشة‏:‏ قالت‏:‏ قدمت مكّة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصّفا والمروة‏.‏ قالت‏:‏ فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ افعلي كما يفعل الحاجّ،غير أن لا تطوفي بالبيت حتّى تطهري»‏.‏ فيسنّ لها أن تغتسل للإحرام، ولدخول مكّة‏.‏وللوقوف بعرفة وغيرها من الأغسال المسنونة‏.‏ واستثنى المالكيّة الاغتسال لدخول مكّة فلم يستحبّوه للحائض، قالوا‏:‏ لأنّه في الحقيقة للطّواف، فلذا لا يطلب من الحائض لمنعها من دخول المسجد‏.‏

ب - الطّواف‏:‏

38 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحيض لا يمنع شيئاً من أعمال الحجّ إلاّ الطّواف، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت‏:‏ افعلي ما يفعل الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت»‏.‏ ثمّ إنّ الأطوفة المشروعة في الحجّ ثلاثة‏:‏ طواف القدوم، وهو سنّة عند الفقهاء عدا المالكيّة حيث قالوا بوجوبه، وطواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحجّ بالاتّفاق، وطواف الوداع وهو واجب عند الفقهاء عدا المالكيّة حيث قالوا بسنّيّته‏.‏

فإذا حاضت المرأة قبل أن تطوف طواف القدوم سقط عنها ولا شيء عليها وذلك عند القائلين بسنّيّته‏.‏

وعند المالكيّة لا يجب عليها حيث بقي عذرها بحيث لا يمكنها الإتيان به قبل الوقوف بعرفة، وإذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة، فإنّها تبقى على إحرامها حتّى تطهر ثمّ تطوف‏.‏ فإن طافت وهي حائض فلا يصحّ طوافها عند الجمهور - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - وذهب الحنفيّة إلى صحّته مع الكراهة التّحريميّة، لأنّ الطّهارة له واجبة، وهي غير طاهرة، وتأثم وعليها بدنة‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ للحائض أن تنفر بلا طواف وداع، تخفيفاً عليها لحديث عائشة رضي الله عنها «أنّ صفيّة رضي الله عنها حاضت فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تنصرف بلا وداع»‏.‏ وعن طاوس قال‏:‏ «كنت مع ابن عبّاس إذ قال زيد بن ثابت‏:‏ تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏ فقال له ابن عبّاس‏:‏ أما لا‏.‏ فسل فلانة الأنصاريّة، هل أمرها بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عبّاس يضحك، وهو يقول‏:‏ ما أراك إلاّ قد صدقت»‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّها إن طهرت قبل مفارقة بنيان مكّة لزمها العود فتغتسل وتطوف، فإن لم تفعل فعليها دم بخلاف ما إذا طهرت خارج مكّة فلا شيء عليها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

سادساً‏:‏ - أ - قراءة القرآن‏:‏

39 - اختلف الفقهاء في حكم قراءة الحائض للقرآن، فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى حرمة قراءتها للقرآن لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن»‏.‏ وهناك تفصيلات بيانها فيما يلي‏:‏

فمذهب الحنفيّة حرمة قراءتها للقرآن ولو دون آية من المركّبات لا المفردات، وذلك إذا قصدت القراءة، فإن لم تقصد القراءة بل قصدت الثّناء أو الذّكر فلا بأس به‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ فلو قرأت الفاتحة على وجه الدّعاء، أو شيئاً من الآيات الّتي فيها معنى الدّعاء، ولم ترد القراءة لا بأس به، وصرّحوا أنّ ما ليس فيه معنى الدّعاء كسورة المسد، لا تؤثّر فيه نيّة الدّعاء فيحرم، وقد أجازوا للمعلّمة الحائض تعليم القرآن كلمةً كلمةً، وذلك بأن تقطّع بين كلّ كلمتين، لأنّها لا تعدّ بالكلمة قارئةً‏.‏ كما أجازوا للحائض أن تتهجّى بالقرآن حرفاً حرفاً، أو كلمةً كلمةً مع القطع، من غير كراهة، وكرهوا لها قراءة ما نسخت تلاوته من القرآن، ولا يكره لها قراءة القنوت، ولا سائر الأذكار والدّعوات‏.‏ ومذهب الشّافعيّة حرمة قراءة القرآن للحائض ولو بعض آية، كحرف للإخلال بالتّعظيم سواء أقصدت مع ذلك غيرها أم لا، وصرّحوا بجواز إجراء القرآن على قلبها من غير تحريك اللّسان، وجواز النّظر في المصحف، وإمرار ما فيه في القلب، وكذا تحريك لسانها وهمسها بحيث لا تسمع نفسها، لأنّها ليست بقراءة قرآن‏.‏ ويجوز لها قراءة ما نسخت تلاوته‏.‏ ومذهب الحنابلة أنّه يحرم عليها قراءة آية فصاعداً، ولا يحرم عليها قراءة بعض آية، لأنّه لا إعجاز فيه، وذلك ما لم تكن طويلةً، كما لا يحرم عليها تكرير بعض آية ما لم تتحيّل على القراءة فتحرم عليها‏.‏ ولها تهجية آي القرآن لأنّه ليس بقراءة له، ولها التّفكّر فيه وتحريك شفتيها به ما لم تبيّن الحروف، ولها قراءة أبعاض آية متوالية، أو آيات سكتت بينها سكوتاً طويلاً‏.‏ ولها قول ما وافق القرآن ولم تقصده، كالبسملة، وقول الحمد للّه ربّ العالمين، وكآية الاسترجاع ‏{‏إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُون‏}‏ وآية الرّكوب، ولها أيضاً أن يقرأ عليها وهي ساكتة، لأنّها في هذه الحالة لا تنسب إلى القراءة، ولها أن تذكر اللّه تعالى، واختار ابن تيميّة أنّه يباح للحائض أن تقرأ القرآن إذا خافت نسيانه، بل يجب لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الحائض يجوز لها قراءة القرآن في حال استرسال الدّم مطلقاً، كانت جنباً أم لا، خافت النّسيان أم لا‏.‏ وأمّا إذا انقطع حيضها، فلا تجوز لها القراءة حتّى تغتسل جنبًا كانت أم لا، إلاّ أن تخاف النّسيان‏.‏ هذا هو المعتمد عندهم، لأنّها قادرة على التّطهّر في هذه الحالة، وهناك قول ضعيف هو أنّ المرأة إذا انقطع حيضها جاز لها القراءة إن لم تكن جنبًا قبل الحيض‏.‏ فإن كانت جنباً قبله فلا تجوز لها القراءة‏.‏

ب - مسّ المصحف وحمله‏:‏

40 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على الحائض مسّ المصحف من حيث الجملة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ ولما روى عبد اللّه بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «كتب إلى أهل اليمن كتاباً، وكان فيه‏:‏ لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر» واستثنى المالكيّة من ذلك المعلّمة والمتعلّمة فإنّه يجوز لهما مسّ المصحف‏.‏ وهناك تفصيلات في بعض المذاهب تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏مصحف‏)‏‏.‏

دخول المسجد

41 - اتّفق الفقهاء على حرمة اللّبث في المسجد للحائض، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنب» ويندرج فيه الاعتكاف كما صرّح الفقهاء بذلك‏.‏ واتّفقوا على جواز عبورها للمسجد دون لبث في حالة الضّرورة والعذر، كالخوف من السّبع قياسًا على الجنب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ‏}‏ واللّصّ والبرد والعطش، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد فقالت إنّها حائض فقال حيضتك ليست بيدك»، وزاد الحنفيّة أنّ الأولى لها عند الضّرورة أن تتيمّم ثمّ تدخل‏.‏ ويرى الحنفيّة والمالكيّة حرمة دخولها المسجد مطلقاً سواء للمكث أو للعبور، واستثنى الحنفيّة من ذلك دخولها للطّواف‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى حرمة مرورها في المسجد إن خافت تلويثه، لأنّ تلويثه بالنّجاسة محرّم، والوسائل لها حكم المقاصد‏.‏ فإن أمنت تلويثه فذهب الشّافعيّة إلى كراهة عبورها المسجد، ومحلّ الكراهة إذا عبرت لغير حاجة، ومن الحاجة المرور من المسجد، لبعد بيتها من طريق خارج المسجد وقربه من المسجد‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّها لا تمنع من مرورها في المسجد حينئذ‏.‏ قال أحمد - في رواية ابن إبراهيم - تمرّ ولا تقعد‏.‏

كما اختلف الفقهاء في دخول الحائض مصلّى العيد‏.‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك، قال الحنفيّة‏:‏ وكذا مصلّى الجنازة إذ ليس لهما حكم المسجد في الأصحّ، وذهب الحنابلة إلى حرمة مصلّى العيد عليها، لأنّه مسجد لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ويعتزل الحيّض المصلّى»، وأجازوا مصلّى الجنائز لها لأنّه ليس بمسجد‏.‏

الاستمتاع بالحائض

42 - اتّفق الفقهاء على حرمة وطء الحائض في الفرج لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ‏}‏ ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اصنعوا كلّ شيء إلاّ النّكاح» وحكى النّوويّ الإجماع على ذلك، واستثنى الحنابلة من به شبق لا تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج، ويخاف تشقّق أنثييه إن لم يطأ، ولا يجد غير الحائض، بأن لا يقدر على مهر امرأة أخرى‏.‏

واختلف الفقهاء في الاستمتاع بما بين السّرّة والرّكبة، فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى حرمة الاستمتاع بما بين السّرّة والرّكبة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتّزر ثمّ يباشرها‏.‏ قالت‏:‏ وأيّكم يملك إربه كما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يملك إربه» وعن ميمونة رضي الله عنها نحوه‏.‏ وفي رواية «كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار» ولأنّ ما بين السّرّة والرّكبة حريم للفرج، ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى‏.‏

وقد أجاز الحنفيّة والشّافعيّة الاستمتاع بما بين السّرّة والرّكبة، من وراء حائل‏.‏ ومنعه المالكيّة‏.‏

كما منع الحنفيّة النّظر إلى ما تحت الإزار، وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بجوازه ولو بشهوة‏.‏

ونصّ الحنفيّة على عدم جواز الاستمتاع بالرّكبة لاستدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما دون الإزار» ومحلّه العورة الّتي يدخل فيها الرّكبة‏.‏ وأجاز المالكيّة والشّافعيّة الاستمتاع بالسّرّة والرّكبة‏.‏ وقد ذكر الحنفيّة والشّافعيّة حكم مباشرة الحائض لزوجها، وقرّروا أنّه يحرم عليها مباشرتها له بشيء ممّا بين سرّتها وركبتها في جميع بدنه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى جواز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج، فله أن يستمتع بما بين السّرّة والرّكبة، وهذا من مفردات المذهب‏.‏

ويستحبّ له حينئذ ستر الفرج عند المباشرة، ولا يجب على الصّحيح من المذهب، قال في النّكت‏:‏ وظاهر كلام إمامنا وأصحابنا أنّه لا فرق بين أن يأمن على نفسه مواقعة المحظور أو يخاف، وصوّب المرداويّ أنّه إذا لم يأمن على نفسه من ذلك حرم عليه لئلاّ يكون طريقاً إلى مواقعة المحظور‏.‏

كفّارة وطء الحائض

43 - نصّ الشّافعيّة على أنّ وطء الحائض في الفرج كبيرة من العامد المختار العالم بالتّحريم، ويكفر مستحلّه، وعند الحنفيّة لا يكفر مستحلّه لأنّه حرام لغيره‏.‏

وقد أوجب الحنابلة نصف دينار ذهباً كفّارةً في وطء الحائض، وهو من مفردات المذهب‏.‏ واستحبّ الحنفيّة والشّافعيّة أن يتصدّق بدينار إن كان الجماع في أوّل الحيض وبنصفه إن كان في آخره‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ أو وسطه‏.‏ لحديث‏:‏ «إذا واقع الرّجل أهله وهي حائض إن كان دماً أحمر فدينار، وإن كان دماً أصفر فنصف دينار» وعند المالكيّة لا كفّارة عليه‏.‏

وطء الحائض بعد انقطاع الحيض

44 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه لا يحلّ وطء الحائض حتّى تطهر - ينقطع الدّم - وتغتسل‏.‏ فلا يباح وطؤها قبل الغسل، قالوا‏:‏ لأنّ اللّه تعالى شرط لحلّ الوطء شرطين‏:‏ انقطاع الدّم، والغسل، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ‏}‏ أي يقطع دمهنّ‏.‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ‏}‏ أي اغتسلن بالماء ‏{‏فَأْتُوهُنَّ‏}‏‏.‏ وقد صرّح المالكيّة بأنّه لا يكفي التّيمّم لعذر بعد انقطاع الدّم في حلّ الوطء فلا بدّ من الغسل حتّى يحلّ وطؤها‏.‏ وفرّق الحنفيّة بين أن ينقطع الدّم لأكثر مدّة الحيض وبين أن ينقطع لأقلّه، وكذا بين أن ينقطع لتمام عادتها، وبين أن ينقطع قبل عادتها‏.‏

فذهبوا إلى أنّه إذا انقطع الدّم على أكثر المدّة في الحيض ولو حكماً بأن زاد على أكثر المدّة، فإنّه يجوز وطؤها بدون غسل، لكن يستحبّ تأخير الوطء لما بعد الغسل‏.‏

وإن انقطع دمها قبل أكثر مدّة الحيض أو لتمام العادة في المعتادة بأن لم ينقص عن العادة، فإنّه لا يجوز وطؤها حتّى تغتسل أو تتيمّم، أو أن تصير الصّلاة ديناً في ذمّتها، وذلك بأن يبقى من الوقت بعد الانقطاع مقدار الغسل والتّحريمة فإنّه يحكم بطهارتها بمضيّ ذلك الوقت، ولزوجها وطؤها بعده ولو قبل الغسل‏.‏

وإذا انقطع الدّم قبل العادة وفوق الثّلاث، فإنّه لا يجوز وطؤها حتّى تمضي عادتها وإن اغتسلت، لأنّ العود في العادة غالب، فكان الاحتياط في الاجتناب، فلو كان حيضها المعتاد لها عشرةً فحاضت ثلاثةً وطهرت ستّةً لا يحلّ وطؤها ما لم تمض العادة‏.‏

طلاق الحائض

45 - اتّفق الفقهاء على أنّ إيقاع الطّلاق في فترة الحيض حرام، وهو أحد أقسام الطّلاق البدعيّ لنهي الشّارع عنه، لما روي عن «ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّه طلّق امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ مره فليراجعها ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض فتطهر ثمّ إن شاء طلّقها طاهراً قبل أن يمسّ» ولمخالفته قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ أي في الوقت الّذي يشرعن فيه في العدّة، وزمن الحيض لا يحسب من العدّة، ولأنّ في إيقاع الطّلاق في زمن الحيض ضرراً بالمرأة لتطويل العدّة عليها حيث إنّ بقيّة الحيض لا تحسب منها‏.‏

كما ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع الطّلاق في زمن الحيض، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر عبد اللّه بن عمر رضي الله عنه بالمراجعة، وهي لا تكون إلاّ بعد وقوع الطّلاق، وفي لفظ الدّارقطنيّ، «قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه أرأيت لو أنّي طلّقتها ثلاثًا‏.‏ قال‏:‏ كانت تبين منك وتكون معصيةً» قال نافع وكان عبد اللّه طلّقها تطليقةً فحسبت من طلاقه، راجعها كما أمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولأنّه طلاق من مكلّف في محلّه فوقع كطلاق الحامل، ولأنّه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السّنّة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه وعقوبةً له‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى وجوب مراجعتها، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ مراجعتها سنّة‏.‏ وما سبق من أحكام إنّما هو في طلاق الحائض المدخول بها أو من في حكمها‏.‏ ولمزيد من التّفصيل انظر مصطلح ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

خلع الحائض

46 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى جواز الخلع في زمن الحيض لإطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ ولحاجتها إلى الخلاص بالمفارقة حيث افتدت بالمال‏.‏ وذهب المالكيّة في المشهور عندهم إلى منع الخلع في الحيض وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏خلع‏)‏‏.‏

ما يحلّ بانقطاع الدّم

47 - إذا انقطع دم الحيض لم يحلّ ممّا حرم غير الصّوم والطّلاق، ولم يبح غيرهما حتّى تغتسل وإنّما أبيح الصّوم والطّلاق بالانقطاع دون الغسل، أمّا الصّوم فلأنّ تحريمه بالحيض لا بالحدث بدليل صحّته من الجنب، وقد زال، وأمّا بالطّلاق فلزوال المعنى المقتضي للتّحريم وهو تطويل العدّة‏.‏

أحكام عامّة

أولاً‏:‏ إنزال ورفع الحيض بالدّواء

48 - صرّح الحنابلة بأنّه يجوز للمرأة شرب دواء مباح لقطع الحيض إن أمن الضّرر، وذلك مقيّد بإذن الزّوج‏.‏ لأنّ له حقّاً في الولد، وكرهه مالك مخافة أن تدخل على نفسها ضررًا بذلك في جسمها‏.‏ كما صرّحوا بأنّه يجوز للمرأة أن تشرب دواءً مباحاً لحصول الحيض، إلاّ أن يكون لها غرض محرّم شرعاً كفطر رمضان فلا يجوز‏.‏

ثمّ إنّ المرأة متى شربت دواءً وارتفع حيضها فإنّه يحكم لها بالطّهارة، وأمّا إن شربت دواءً ونزل الحيض قبل وقته فقد صرّح المالكيّة بأنّ النّازل غير حيض وأنّها طاهر‏.‏ فلا تنقضي به العدّة، ولا تحلّ للأزواج، وتصلّي وتصوم لاحتمال كونه غير حيض، وتقضي الصّوم دون الصّلاة احتياطاً لاحتمال أنّه حيض‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بأنّه إذا شربت المرأة دواءً فنزل الدّم في أيّام الحيض فإنّه حيض وتنقضي به العدّة‏.‏

ثانياً‏:‏ ادّعاء الحيض

49 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا ادّعت المرأة الحيض وأمكن ذلك قبل قولها وجوباً، لأنّها مؤتمنة فيحرم وطؤها حينئذ وإن كذّبها، وقيّد الحنفيّة ذلك ممّا إذا كانت عفيفةً أو غلب على الظّنّ صدقها، أمّا لو كانت فاسقةً ولم يغلب على الظّنّ صدقها بأن كانت في غير أوان الحيض فلا يقبل قولها اتّفاقاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّها إن أخبرته بالحيض فإنّه يحرم عليه مباشرتها إن صدّقها وإلاّ فلا، وإذا صدّقها وادّعت دوامه صدّقت‏.‏

ثالثاً‏:‏ ما يتّفق فيه الحيض والنّفاس من أحكام وما يختلفان فيه

50 - حكم النّفاس حكم الحيض في سائر أحكامه إلاّ في مسائل‏:‏

- أ - الاعتداد بالحيض دون النّفاس، لأنّ انقضاء العدّة بالقروء، والنّفاس ليس بقرء، ولأنّ العدّة تنقضي بوضع الحمل‏.‏

- ب - حصول البلوغ بالحيض دون النّفاس حيث إنّ البلوغ يحصل قبله بالحمل، لأنّ الولد ينعقد من مائهما لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ‏}‏‏.‏

- ج - الحيض يكون استبراءً، بخلاف النّفاس‏.‏

- هـ - الحيض لا يقطع التّتابع في صوم الكفّارة، بخلاف النّفاس‏.‏

- و- احتساب الحيض في مدّة الإيلاء دون النّفاس‏.‏

- ز- يحصل بالحيض الفصل بين طلاقي السّنّة والبدعة بخلاف النّفاس‏.‏

- ح - أقلّ الحيض محدود، ولا حدّ لأقلّ النّفاس، وأكثر الحيض عشرة، أو ثلاثة عشر، أو خمسة عشر وأكثر النّفاس أربعون، أوستّون‏.‏

حيلة

التّعريف

1 - الحيلة لغةً‏:‏ الحذق في تدبير الأمور، وهو تقليب الفكر حتّى يهتدي إلى المقصود، وأصل الياء واو، وهي ما يتوصّل به إلى حالة ما، في خفية‏.‏

وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث‏.‏ وقد تستعمل فيما فيه حكمة‏.‏

وأصلها من الحول، وهو التّحوّل من حال إلى حال بنوع تدبير ولطف يحيل به الشّيء عن ظاهره، أو من الحول بمعنى القوّة‏.‏ وتجمع الحيلة على الحيل‏.‏

أمّا في الاصطلاح فيستعمل الفقهاء الحيلة بمعنىً أخصّ من معناها في اللّغة، فهي نوع مخصوص من العمل الّذي يتحوّل به فاعله من حال إلى حال، ثمّ غلب استعمالها عرفاً في سلوك الطّرق الخفيّة الّتي يتوصّل به إلى حصول الغرض، بحيث لا يتفطّن لها إلاّ بنوع من الذّكاء والفطنة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الخدعة‏:‏

2 - أصل الخدعة إخفاء الشّيء أو الفساد‏.‏ ويراد بها إظهار ما يبطن خلافه، أراد اجتلاب نفع، أو دفع ضرّ، ولا يقتضي أن يكون بعد تدبّر، ونظر، وفكر، وهذا ما يفرّقه عن الحيلة‏.‏ فهو بمعنى الخديعة، وكذلك الخلابة‏.‏

الغرور‏:‏

3 - الغرور‏:‏ إيهام يحمل الإنسان على فعل ما يضرّه‏.‏

التّدبير‏:‏

4 - التّدبير تقويم الأمر على ما يكون فيه صلاح عاقبته‏.‏ وأصله من الدّبر، وأدبار الأمور عواقبها‏.‏ فيشترك التّدبير والحيلة، من حيث إنّ في كلّ إحالة شيء من جهة إلى جهة أخرى، واختصّ التّدبير بما يكون فيه صلاح العاقبة، أمّا الحيلة فتعمّ الصّلاح والفساد‏.‏ الكيد‏:‏

5 - الكيد إيقاع المكروه بالغير على وجه المكر والخديعة‏.‏

وهو ضرب من الاحتيال وقد يكون مذمومًا أو ممدوحًا، وفي الأوّل أكثر، وكذلك الاستدراج والمكر وبعض ذلك ممدوح كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ‏}‏‏.‏

المكر‏:‏

6 - المكر صرف الغير عمّا يقصده بحيلة، ومنه المحمود والمذموم‏.‏ وهو أخصّ من الحيلة‏.‏

التّورية والتّعريض‏:‏

7 - التّورية والتّعريض‏:‏ أن تطلق لفظاً ظاهراً في معنىً، وتريد به معنىً آخر يتناوله ذلك اللّفظ لكنّه خلاف ظاهره‏.‏ وأصل التّورية السّتر، والتّعريض خلاف التّصريح‏.‏

الذّريعة‏:‏

8 - الذّريعة‏:‏ الوسيلة إلى الشّيء، وسدّ الذّريعة قطع الأسباب المباحة الّتي يتوصّل بها إلى المحرّم‏.‏

تقسيم الحيل

تنقسم الحيل باعتبار مشروعيّتها إلى حيل مشروعة وحيل محرّمة‏.‏

الحيل المشروعة

9 - وهي الحيل الّتي تتّخذ للتّخلّص من المآثم للتّوصّل إلى الحلال، أو إلى الحقوق، أو إلى دفع باطل، وهي الحيل الّتي لا تهدم أصلاً مشروعاً ولا تناقض مصلحةً شرعيّةً‏.‏

وهي ثلاثة أنواع‏:‏

أ - أن تكون الحيلة محرّمةً ويقصد بها الوصول إلى المشروع، مثل أن يكون له على رجل حقّ فيجحده ولا بيّنة له، فيقيم صاحب الحقّ شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت هذا الحقّ‏.‏ ومتّخذ هذا القسم من الحيل يأثم على الوسيلة دون القصد‏.‏ ويجيز هذا من يجيز مسألة الظّفر بالحقّ، فيجوز في بعض الصّور دون بعض‏.‏

ب - أن تكون الحيلة مشروعةً وتفضي إلى مشروع‏.‏

ومثالها الأسباب الّتي نصبها الشّارع مفضيةً إلى مسبّباتها، كالبيع، والإجارة وأنواع العقود الأخرى، ويدخل فيه التّحيّل على جلب المنافع ودفع المضارّ‏.‏

ج - أن تكون الحيلة لم توضع وسيلةً إلى المشروع فيتّخذها المتحيّل وسيلةً إلى ذلك، ومثاله المعاريض الجائزة في الكلام‏.‏ ومن الحيل المشروعة ما لا خلاف في جوازه ومنها ما هو محلّ تردّد وإشكال وموضع خلاف‏.‏

الحيل المحرّمة

10 - وهي الحيل الّتي تتّخذ للتّوصّل بها إلى محرّم، أو إلى إبطال الحقوق، أو لتمويه الباطل أو إدخال الشّبه فيه‏.‏ وهي الحيل الّتي تهدم أصلاً شرعيّاً أو تناقض مصلحةً شرعيّةً‏.‏ والحيل المحرّمة منها ما لا خلاف في تحريمه ومنها ما هو محلّ تردّد وخلاف‏.‏

والحيل المحرّمة ثلاثة أنواع وهي‏:‏

أ - أن تكون الحيلة محرّمةً ويقصد بها محرّم‏:‏ ومثاله من طلّق زوجته ثلاثاً وأراد التّخلّص من عار التّحليل، فإنّه يحال لذلك بالقدح في صحّة النّكاح بفسق الوليّ، أو الشّهود فلا يصحّ الطّلاق في النّكاح الفاسد‏.‏

ب - أن تكون الحيلة مباحةً في نفسها ويقصد بها محرّم‏.‏ كما يسافر لقطع الطّريق، أو قتل النّفس المعصومة‏.‏

ج - أن تكون الحيلة لم توضع وسيلةً إلى المحرّم بل إلى المشروع، فيتّخذها المحتال وسيلةً إلى المحرّم‏.‏ كمن يريد أن يوصي لوارثه، فيحتال لذلك بأن يقرّ له، فيتّخذ الإقرار وسيلةً للوصيّة للوارث‏.‏

أدلّة مشروعيّة الحيل المباحة

11 - تقدّم التّعريف بالحيل المشروعة وهذا بيان لأدلّة مشروعيّتها‏:‏

أ - قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً‏}‏، أراد بالحيلة التّحيّل على التّخلّص من الكفّار، وهذه حيلة محمودة يثاب عليها من عملها‏.‏

ب - مباشرة الأسباب المشروعة حيلة على حصول مسبّباتها، كالأكل، والشّرب، واللّبس والسّفر الواجب، وكذلك العقود الشّرعيّة واجبها ومستحبّها ومباحها كلّها حيلة على حصول المعقود عليه، فإذا كانت الحيلة سبباً مشروعاً وما تفضي إليه مشروع فلا معنى لمنعها‏.‏

ج - إنّ العاجز الّذي لا حيلة عنده لجهله بطرق تحصيل مصالحه مذموم، لأنّه لا خبرة له بطرق الخير والشّرّ خفيّها وظاهرها، فيحسن التّوصّل إلى مقاصده المحمودة الّتي يحبّها اللّه ورسوله بأنواع الحيل، ويعرف طرق الشّرّ الظّاهرة والخفيّة الّتي يتوصّل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها‏.‏ وقد كان «حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أعلم النّاس بالشّرّ والفتن، وكان النّاس يسألون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكان هو يسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركه»‏.‏

د - إنّ المعنى الّذي من أجله حرّمت الحيل هو أنّها تهدم الأصول الشّرعيّة، وتناقض المصالح الشّرعيّة، فإذا انتفى هذا المعنى وكانت الحيل ممّا لا يناقض الأصول الشّرعيّة فلا معنى لمنعها بل كانت من المشروع‏.‏

هـ - أجازت الشّريعة للمكره على الكفر أن يتلفّظ بكلمة الكفر إحرازاً لدمه، وفي هذا تحيّل على إحراز الدّم، والتّحيّل هنا كالتّحيّل بكلمة الإسلام إحرازاً للدّم، كذلك كما في قوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم «فإذا قالوا لا إله إلاّ اللّه عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها» فكلّ من الحالتين نطق بكلمة من غير اعتقاد معناها توصّلاً إلى غرض دنيويّ، وهو إحراز الدّم، فأجريت عليهما أحكام الإسلام في الظّاهر‏.‏

و - إنّ الخروج من الحرام إلى الحلال والتّخلّص من المآثم أمر واجب شرعاً، والتّحيّل له باتّخاذ الوسائل والأسباب المؤدّية إليه أمر مطلوب شرعاً كذلك، ولا تخرج الحيل المباحة عن هذا‏.‏ من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ‏}‏ وهي حيلة للخروج من الحنث، وقد عمل به النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حقّ الضّعيف الّذي زنى، وهو من حديث أبي أمامة بن سهل في السّنن، حيث إنّه أخبره بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنّه «اشتكى رجل منهم حتّى أضنى، فعاد جلدةً على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهشّ لها فوقع عليها، فلمّا دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال‏:‏ استفتوا لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإنّي قد وقعت على جارية دخلت عليّ، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقالوا‏:‏ ما رأينا بأحد من النّاس من الضّرّ مثل الّذي هو به، لو حملناه إليك لتفسّخت عظامه، ما هو إلاّ جلد على عظم، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ، فيضربوه بها ضربةً واحدةً»‏.‏ ومن ذلك حديث أبي سعيد «أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أكلّ تمر خيبر هكذا‏؟‏ فقال‏:‏ لا واللّه يا رسول اللّه إنّا لنأخذ الصّاع من هذا ا بالصّاعين، والصّاعين بالثّلاثة فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدّراهم، ثمّ ابتع بالدّراهم جنيباً»‏.‏ وفي أمره صلى الله عليه وسلم بأن يشتري بالدّراهم تمراً، ونهيه أن يشتريه بمثله خروج ممّا لا يحلّ لما فيه من الرّبا إلى ما يحلّ وهو البيع، وهو خروج من الإثم‏.‏

أدلّة تحريم الحيل المحرّمة

12 - إنّ الحيل المحرّمة تقوم على المخادعة والتّلبيس والتّدليس، وعلى اتّخاذ الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، للوصول إلى الحرام ومن أمثلة ذلك‏:‏

أ - قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لعن رسول اللّه المحلّل والمحلّل له»‏.‏

لأنّ فيه استحلال الزّنى باسم النّكاح، فإنّ قول المحلّل تزوّجت هذه المرأة، أو قبلت هذا النّكاح، وهو غير مبطن لحقيقة النّكاح ولا يقصد أن تكون زوجةً له، ولا هي مريدة لذلك ولا الوليّ، فقد توسّل باللّفظ الشّرعيّ إلى ما ينافي مقصود العقد، أو إلى أمر خارج عن أحكام العقد، وهو عود المرأة إلى زوجها المطلّق‏.‏

وقد ورد من حديث ابن عبّاس «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل في نكاح المحلّل فقال‏:‏ لا، إلاّ نكاح رغبة، لا نكاح دلسة، ولا استهزاء بكتاب اللّه، ثمّ يذوق عسيلتها»‏.‏

ب - قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قاتل اللّه اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها فباعوها» فاحتالوا على تحريم أكل الشّحوم بأكل أثمانها‏.‏

ج - قول المرابي بعتك هذه السّلعة بكذا كما في بيع العينة عند الجمهور على أن يستردّها منه بأقلّ ممّا باعها، ولم يكن مريداً لحقيقة البيع، وليس لأحد من البائع والمشتري غرض في السّلعة بوجه من الوجوه، وإنّما قصد البائع عود السّلعة إليه بأكثر من ذلك الثّمن‏.‏ وصحّ عن أنس وعبد اللّه بن عبّاس رضي الله عنهما أنّهما سئلا عن العينة، فقالا إنّ اللّه لا يخدع هذا ممّا حرّم اللّه ورسوله، فسمّيا ذلك خداعاً‏.‏

4 - لقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى اليهود على تحايلهم على الحرام فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏، فلقد حرّم على اليهود أن يعملوا في السّبت شيئاً، فكان بعضهم يحفر الحفيرة، ويجعل لها نهراً إلى البحر فإذا كان يوم السّبت فتح النّهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتّى يلقيها في الحفيرة، فإذا كان يوم الأحد، جاءوا فأخذوا ما تجمّع في الحفيرة من حيتان وقالوا‏:‏ إنّما صدناه يوم الأحد، فعوقبوا بالمسخ قردةً لأنّهم استحلّوا الحرام بالحيلة‏.‏

ولقد حذّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من ارتكاب الحيل، كما فعلته بنو إسرائيل فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلّوا محارم اللّه بأدنى الحيل»‏.‏ ومعنى أدنى الحيل، أي أسهلها وأقربها، كما في المطلّق ثلاثاً، فمن السّهل عليه أن يعطي مالًا لمن ينكح مطلّقته ليحلّها له، بخلاف الطّريق الشّرعيّ الّتي هي نكاح الرّغبة، فإنّها يصعب معها عودها إليه‏.‏ وكذلك من أراد أن يقرض ألفاً بألف وخمسمائة، فمن أدنى الحيل أن يعطيه ألفاً إلاّ درهماً باسم القرض، ويبيعه خرقةً تساوي درهماً بخمسمائة درهم ودرهم، فإنّها من أدنى الحيل إلى الرّبا وأسهلها، كما فعلت اليهود في الاعتداء يوم السّبت‏.‏

5- قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات» يدلّ على أنّ الأعمال تابعة لمقاصدها ونيّاتها، وأنّه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله إلاّ ما نواه وأبطنه لا ما أعلنه وأظهره، فمن نوى الرّبا بعقد البيع في الرّبويّات وأدّى إلى الرّبا كان مرابياً، وكلّ عمل قصد به التّوصّل إلى تفويت حقّ كان محرّماً‏.‏ وتفصيله في مصطلح ‏(‏مخارج‏)‏‏.‏

حيوان

التّعريف

1 - الحيوان نقيض الموتان وفي القرآن الكريم‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ‏}‏ أي‏:‏ الحياة الّتي لا يعقبها موت‏.‏وقيل الحيوان في الآية مبالغة في الحياة كالموتان للموت الكثير‏.‏ ويطلق على كلّ ذي روح، ناطقاً كان أو غير ناطق، مأخوذ من الحياة ويستوي في لفظ ‏"‏ الحيوان ‏"‏ الواحد والجمع، لأنّه مصدر في الأصل‏.‏ وقيل الحيوان بمعنى الحياة ضدّ الموت‏.‏ والحيوان في الاصطلاح‏:‏ هو الجسم النّامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّابّة‏:‏

2 - الدّابّة كلّ ما دبّ على الأرض‏.‏ وخالف فيه بعضهم، فأخرج الطّير من الدّوابّ، وأمّا تخصيص الفرس والبغل والحمار بالدّابّة عند الإطلاق فعرف طارئ‏.‏ وغلب اسم الدّابّة على ما يركب‏.‏ فالدّابّة أخصّ من الحيوان على القول المشهور‏.‏

ب - البهيمة‏:‏

3 - البهيمة كلّ ذات أربع من دوابّ البرّ والبحر، وكلّ حيوان لا يميّز فهو بهيمة، والجمع ‏"‏ بهائم ‏"‏‏.‏ فالبهيمة أخصّ من الحيوان ومن الدّابّة‏.‏

ج - النّعم‏:‏

4 - النّعم جمع لا واحد له من لفظه بمعنى‏:‏ المال الرّاعي، وأكثر ما يقع على الإبل‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ النّعم‏:‏ الجمال فقط، ويؤنّث ويذكّر، وجمعه نعمان، وجمع الأنعام ‏"‏ أناعيم ‏"‏‏.‏ وقيل الأنعام‏:‏ ذوات الخفّ والظّلف، وهي الإبل والبقر والغنم‏.‏

فالأنعام أخصّ الجميع بالمقارنة مع الحيوان والبهيمة‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالحيوان

أ - أكل الحيوان‏:‏

5 - ما يتأتّى أكله من الحيوان يصعب حصره، والأصل في الجميع الحلّ في الجملة إلاّ ما استثني فيما يلي‏:‏

الأوّل الخنزير‏:‏ فهو محرّم بنصّ الكتاب والسّنّة وعليه الإجماع‏.‏

واختلفوا فيما عداه من الحيوان‏:‏ فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يحلّ أكل كلّ ذي ناب من السّباع‏:‏ كالأسد، والنّمر، والفهد، والذّئب، والكلب وغيرها، ولا ذي مخلب من الطّير كالصّقر، والبازي‏.‏ والنّسر، والعقاب والشّاهين وغيرها‏.‏ لأنّه عليه الصلاة والسلام «نهى عن كلّ ذي ناب من السّباع، وعن كلّ ذي مخلب من الطّير»‏.‏

ثمّ اختلفوا في تحليل وتحريم بعض آحاد الحيوان، كالخيل، والضّبع، والثّعلب، وأنواع الغراب وغيرها‏.‏ ينظر تفصيلها في مصطلح ‏(‏أطعمة‏)‏‏.‏

وانعقد المذهب عند المالكيّة في رواية، أنّه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النّمل والدّود، وما بين ذلك إلاّ الآدميّ والخنزير فهما محرّمان إجماعاً‏.‏

وكذلك لا يحرم عندهم شيء من الطّير في رواية، وبه قال اللّيث والأوزاعيّ، ويحيى بن سعيد‏.‏ واحتجّوا بعموم الآيات المبيحة، وقول أبي الدّرداء وابن عبّاس‏:‏ ما سكت اللّه عنه فهو ممّا عفا عنه‏.‏

الثّاني‏:‏ ما أمر بقتله كالحيّة، والعقرب، والفأرة، وكلّ سبع ضار كالأسد، والذّئب، وغيرهما ممّا سبق‏.‏

الثّالث‏:‏ المستخبثات‏:‏ فإنّ من الأصول المعتبرة في التّحليل والتّحريم الاستطابة، والاستخباث، ورآه الشّافعيّ رحمه الله الأصل الأعظم والأعمّ‏.‏ والأصل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ‏}‏ وتفصيل الموضوع في مصطلح ‏(‏أطعمة‏)‏‏.‏

ب - ذكاة الحيوان‏:‏

6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المأكول من الحيوان لا يحلّ إلاّ بالذّبح المعتبر، وهو ما كان بين الحلق واللّبّة حال الاختيار‏.‏ وذكاة الضّرورة‏:‏ جرح وطعن وإنهار دم في أيّ موضع وقع من البدن‏.‏ ويستثنى السّمك والجراد، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أحلّت لنا ميتتان ودمان، فأمّا الميتتان‏.‏ فالحوت والجراد، وأمّا الدّمان‏:‏ فالكبد والطّحال»‏.‏

وأمّا ما لا يؤكل لحمه، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ذبحه كموته، وقال الحنفيّة‏:‏ يطهر لحمه وشحمه وجلده، حتّى لو وقع في الماء القليل لا يفسده إلاّ أنّه لا يحلّ أكله‏.‏

وهذا بالنّسبة لغير الخنزير‏.‏ أمّا الخنزير فإنّه رجس‏.‏

وفي الموضوع خلاف وتفصيل ينظر في ‏(‏ذبائح‏)‏‏.‏

ج - زكاة الحيوان‏:‏

7 - أجمع الفقهاء على أنّه لا تجب الزّكاة إلاّ في النّعم، وهي الإبل، والبقر، والغنم، واختلفوا في الخيل، ينظر تفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

د - الإنفاق على الحيوان والرّفق به‏:‏

8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يجب على المالك إطعام بهائمه، وسقيها، وريّها ولو كانت مريضةً لا ينتفع بها، لحديث ابن عمر مرفوعاً قال‏:‏ «عذّبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت فدخلت النّار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» متّفق عليه‏.‏ كما يحرم أن يحمّله ما لا يطيق، لأنّ فيه تعذيباً له‏.‏

وإن امتنع المالك من الإنفاق على بهيمته أجبر عليه عند الجمهور ديانةً وقضاءً، وقال الحنفيّة‏:‏ لا يجبر على نفقة البهائم قضاءً في ظاهر الرّواية، ويجبر ديانةً وعليه الفتوى‏.‏ وفي الموضوع تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

هـ - جناية الحيوان والجناية عليه‏:‏

9 - يرى جمهور الفقهاء أنّ راكب الدّابّة يضمن ما وطئته بيدها أو رجلها، ولا يضمن ما نفحت بذنبها أو رجلها‏.‏

والأصل في ذلك أنّ المرور في طريق المسلمين مباح بشرط السّلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، وأنّ المتسبّب ضامن إذا كان متعدّيًا، والمباشر يضمن مطلقًا‏.‏

وكذلك يضمن الحيوان، والنّقصان فيه، في الجناية عليه، لما روي أنّ عمر رضي الله عنه قضى في عين الدّابّة ربع القيمة‏.‏ والمراد بالعين، العين الباصرة، وإنّما كان ضمان العين ربع القيمة، لأنّها تعمل بعينيها وعيني قائدها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏جناية وضمان‏)‏‏.‏

مواطن البحث

10 - تكلّم الفقهاء عن الحيوان بالإضافة إلى ما سبق في مواطن أخرى منها‏:‏ بيع الحيوان، وما يعتبر فيه عيباً، في كتاب البيع، وخيار العيب، وعن السّلم فيه في السّلم، وعن ثبوت الشّفعة فيه في الشّفعة وعن استئجاره في الإجارة، وعن التقاطه في اللّقطة، وعن صيده والصّيد به في الصّيد والإحرام‏.‏

الموسوعةالفقهية / الجزء الثامن عشر